تكويت الوظائف قضية دستورية واستعجال النتائج ثمرة فجة غير ناضجة
تكويت الوظائف قضية دستوريةتجد أساسها الدستوري فيما نصت عليه المادة (26) من الدستور من أن "الوظيفة العامة خدمة وطنية"، وفيما نصت عليه المادة (41) من "أن لكل كويتي الحق في العمل وأن العمل واجب على كل مواطن، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين".
فقد دل الدستور بهذين النصين دلالة قاطعة على أمرين متلازمين ومتكاملين هما:الأمر الأول: أن تكويت الوظايف العامة قضية وطنية تستمد أساسها الدستوري أصلا من هذين النصين، ويعزز ذلك ما نصت عليه المادة (16) من الدستور من أن العمل مقوم أساسي لكيان الدولة الاجتماعي، يكمل الملكية ورأس المال، فالأمم تبنى بسواعد أبنائها وتنهض وتتقدم في ركب الحضارة الإنسانية بفكر أبنائها وعقولهم وإبداعهم.الأمر الثاني: أن تكويت الوظائف العامة لا تمنحه الدولة لأبنائها تفضلا، ولا تقرره لهم إيثارا إنما هو حق للمواطن، وواجب عليه وشرف، تقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه، وباعتباره خدمة وطنية، كما عرفته المادة (26) من الدستور، ولأهميته في نهضة البلاد ورقيها وتقدمها، فإن التزام الدولة بتوفيره للمواطنين يخضع لمعايير مشروطة موضوعية أولها أن يكون المواطن مؤهلا من ناحية مؤهلاته العلمية وخبراته النوعية والزمنية وثقافته العامة لتلبية احتياجات الوظيفة العامة وقادرا على الوفاء بمتطلباتها، وعلى حمل الأمانة الثقيلة للأموال العامة التي تعتبر واجبا مضاعف الأثقال على الموظف العام، وقد نصت المادة (17) من الدستور على أن للأموال العامة حرمة وجعل حمايتها واجبا على كل مواطن، وفي هذا السياق يقول المولى عز وجل في سورة القصص، الآية (26) "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ".المصلحة الوطنية هي الغايةولم يغب عن الدستور وهو يقرر في المادة (26)، بحق، أن الوظيفة العامة خدمة وطنية، أن الغاية من إسناد الوظيفة العامة للمواطنين هي تحقيق المصلحة العامة فيما نصت عليه هذه المادة من أنه "ويستشهد موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحة العامة..."، مثلما يرعى المصلحة العامة عضو مجلس الأمة في تمثيله للأمة بأسرها إعمالا لأحكام المادة (108) من الدستور، ومثلما يمارس القاضي عمله بنزاهة وعدل واستقلال، لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه حصيناً من أي تدخل في سير العدالة إعمالا لأحكام المادتين 162 و163 من الدستور.ولعل ما غاب عن البعض في تفسير هذه النصوص هو النظرة القاصرة لهذه النصوص على دلالتها المستفادة منها أصلا، وهي أنها تفرض الالتزام سالف الذكر على الموظف العام، وعلى عضو مجلس الأمة، وعلى القاضي، في أدائهم لرسالتهم، ذلك أن هذا الالتزام يتحمل تبعته كذلك الدولة بوجوب أن تتوخى المصلحة العامة في تكويت الوظائف العامة، وفي اختيارها لمن يتولون ولاية القضاء وهي أعلى الولايات قدرا وأجلها خطراً وأعزها مكانا وأعظمها شأنا وأشرفها ذكرا، كما يفرض الدستور كذلك على الناخب أن يرعى المصلحة العام في اختيار من يمثله في المجلس التشريعي. وأن تكون المفاضلة بين المواطنين أنفسهم في توليهم لوظائفهم التنفيذية أو لولاية القضاء بكفالة تكافؤ الفرص للمواطنين إعمالا لأحكام المادة (8) من الدستور وأن يكون الاختيار للأفضل من المواطنين علما وخبرة وتأهيلا.وأستعيد في هذا السياق عن أبي حفص الكرماني أنه قال للمأمون: ظلمتني يا أمير المؤمنين وظلمت غسان بن عياد. قال المأمون: وكيف ذلك؟أجاب الكرماني: رفعت غسان فوق قدره وجعلتني دون قدري، ألا إنك في غسان أشد ظلما.قال أمير المؤمنين: وكيف؟أجاب الكرماني: إنك أقمته مقام هزء وأقمتني مقام رحمة.استعجال النتائجوقد أدى استعجال النتائج في ربع القرن الماضي، عقب رفع شعار تكويت الوظائف ومطالبة المجلس التشريعي به عقب التحرير مباشرة الى نتائج أفرغت التكويت من مضمونه وجعلته شكلا بغير مضمون عندما أسندت الوظائف العامة من خدمات وأعمال وخبرات والتي كان يؤديها الوافدون، إلى شركات خاصة تستخدم الوافدين أنفسهم في أداء هذه الخدمات والأعمال والخبرات.النطق السامي لصاحب السمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح، رحمه الله، الذي جسد فيه روح الدستور والمبادئ السامية لديننا الحنيف في العشر الأواخر من شهر رمضان من السنة الهجرية 1423 معبراً عن معنى التعاون والرحمة بالوطن داعياً المواطنين إلى العمل للمستقبل والصبر والتضحية ومواصلة العمل، محذرا سموه من استعجال النتائج، قائلا في نطقه السامي "إن استعجال النتائج يعني ثمرة فجة غير ناضجة، ولذلك حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، والذين يعاملون الوطن على أنه كنز يؤخذ منه فقط، يوشكون أن يكونوا أعداء لأنفسهم ولذرياتهم من بعدهم".