قولنا والعمل
![د. بلال عقل الصنديد](https://www.aljarida.com/uploads/authors/279_1682431680.jpg)
***لا شك أن ما حدث ويحدث في لبنان من انهيارات متعاقبة هي مسؤولية مشتركة بين الحكام والمحكومين وبين الفسّاد والمفسدين، وهي نتيجة حتمية لتقاعس المجتمع عن مساءلة ممثليه، كما أنها انعكاس قدري لمضمون النشيد الوطني. فما أجمل التغني بالأرز وما أكثر الحرائق المفتعلة، وما أروع التباهي بمجد التاريخ وما أفشل المراهنة على المستقبل، وما أبهى الحديث عن الوطنية وما أفظع العمل بمنطق "لكم لبنانكم ولنا لبناننا"! المطلوب ألا يكتب اللبنانيون صفحة للتعبير عن شعور طبيعي بالوطنية، والمفروض أن يشغل العمل جلّ أوقاتهم بدلاً من التلهي باجترار شعارات مكررة وتبادل اتهامات مبتذلة وافتعال انقسامات مدمرة!"قولنا والعمل في سبيل الكمال" إذ ما طبقت فعلاً لا قولاً هي التي تجعل من "صانه ربه لمدى الأزمان" واقعاً يتسق مع سنّة الكون بنجاح الأفعال بعد الاتكال. ***ما ينطبق على لبنان الحبيب، ينطبق على جميع الأوطان والشعوب، فما يحدث في أي وطن من ازدهار أو انهيار، لأبنائه حصة الأسد في الأسباب والنتائج، والقول إذا اقترن بالفعل سار صاحبهما نحو القمم، أما إذا وقف الشعب جامداً على أبواب المشاعر الزاهية والوطنية الزائفة فانحداره يصبح مسألة وقت لا أكثر.المقولة السائدة إن "الكويت محفوظة بخير أهلها"، بقدر ما هي حقيقة رائعة وقناعة إيمانية راسخة، ليست كافية لتحقيق التنمية المستدامة، وليست مؤثرة في منع الفساد، كما أنها لن توفر للأجيال القادمة مستقبلاً يتمنونه. من ثوابت الشرع الإسلامي الأخذ بالأسباب، وقد استعاذ رسول الله من العجز والكسل، وقال للذي سأله: أيعقل ناقته أم يتركها ويتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل.والاتكال على الشافي المعافي لا يبرر الاستغناء عن الاستشفاء، والجهل لا يوأد إلا بالعلم، والمال لا يتساقط مع حبات المطر، والنجاح لا يأتي من دفء السبات، والإصلاح لا يتحقق إلا بمصلحين، والمشاريع لا تنجز إلا بسواعد فتية، والصلاحية لا تعقد إلا لضمائر نقية، والتخطيط لا يكون إلا لعقول نيرة رشيدة. ***وكي لا أغيظ صديقي العزيز بالإطالة، أكتفي بهذه السطور موجزاً قولي بالدعاء لأوطاننا ومجتمعاتنا أن تسلك درباً يزينه القول الصادق ويثمر فيه الفعل الثابت ويبلغ منتهاه بالعمل الجاد والإرادة الصلبة.* كاتب ومستشار قانوني