في محاضرة بعنوان: "كيف تعمل مع فريق متعدد الأجيال؟"، للدكتورة ليا جورج، الأستاذة المساعدة في برنامج الدكتوراه بجامعة كريتن، ألقتها عام 2018 على منصة تيد (وهي سلسلة من المؤتمرات العالمية التي تهدف لتعريف ونشر الأفكار الجديدة والمتميزة للعالم) سلطت فيها الضوء على وجود خمسة أجيال مختلفة تحت مظلة واحدة في مكان العمل ولأول مرة في تاريخنا المعاصر، منهم: جيل المحاربين القدامى، أو كما يعرف بالجيل الأعظم في الولايات المتحدة، يضم مواليد الفترة بين 1922 و1943، ويتميز المنتمون إلى هذا الجيل بالتضحية واحترام السلطة والعمل الدؤوب، حيث أتى بعده جيل الطفرة السكانية، ويضمّ المواليد بين عامي 1944 و1960. يُعرف هذا الجيل بالعمل الجاد، ويُوصف بالجيل المدمن للعمل، ويتميز بتقديره لروح المنافسة ورغبته الدائمة في تحقيق التواصل الفاعل. أما الجيل (إكس)، أو جيل ذوي الآباء والأمهات العاملين هو الجيل الذي ولد بين 1961 و1980، ويُعد من أصغر الأجيال، وهو محصور بين جيل الطفرة السكانية وجيل الألفية، وهذا الجيل هو أول من ابتكر فكرة التوازن بين الحياة المهنية والشخصية وطالب بتطبيقها في مكان العمل، بعدها ولد جيل الألفية بين 1981 و2000 في زمن التكنولوجيا، ويسعى أبناء هذا الجيل إلى تحقيق أهدافهم وغاياتهم بشكل براغماتي، وهم أيضا متفائلون، ويعتقدون أن بإمكانهم تغيير العالم، وفي السنوات القليلة الماضية، تمكّن جيل الألفية من التميّز على جيل (إكس) ليصبح أكثر جيل نشط في سوق العمل بالولايات المتحدة، حيث ينتمي واحد من كل ثلاثة أشخاص عاملين إلى جيل الألفية.
وسرعان ما سينضم لمكان العمل قريبا الجيل (زد) الذي ولد منذ عام 2000، ويضم المتدربين في العمل أو الذين على وشك التخرّج، وترى د. ليا أن التقسيمات بين الأجيال ربما تكون غير موجودة أصلاً؛ إذ ليس من السهل تحديد الجيل الذي ينتمي إليه فرد ما عندما نضع في الحسبان أن كل جيل يمتد لحوالي عشرين سنة، فتلك الطريقة في تصنيف الأجيال تجعل الأمر يبدو وكأن الطفل ذو السنة الواحدة لديه من القيم والرغبات والتصورات النمطية ما يتبناه شخص بلغ من العمر عشرين سنة. إن التصورات والأفكار النمطية عن كل جيل، جعلت الناس يتبنون تصرفات معينة في نواح شتّى، اعتقاداً منهم أن عليهم الالتزام بمواصفات الجيل المحدد الذي قيل إنهم ينتمون إليه، وتقول د. ليا: "تحدثتُ مع أفراد ينتمون إلى منظمات مختلفة، واكتشفتُ أن الحديث عن الأجيال قد تحول من موضوع جانبي أو ثانوي إلى موضوع النقاش الأساسي المتداول في مكان العمل"، لذا نجد أن هناك سعيا من المنظمات والمؤسسات لإيجاد طرق ناجحة لإدارة بيئة العمل متعددة الأجيال وإتاحة الاستقلالية اللازمة للازدهار والإبداع والانسجام في العمل مع التركيز أكثر على نقاط التشابه والالتقاء بين الأجيال. فالناس يريدون أن يعملوا في بيئة مرنة يحظون فيها بالدعم والتقدير ويحصلون فيها على فرص أفضل، وهذه المطالب أو الاحتياجات لا ترتبط بجيل معين، مع أن لدى كل جيل ما يميزه من التصرفات والرغبات والمنظورات والقيم المختلفة إزاء الأمور الشخصية خارج إطار العمل، فالتركيز على تقسيم كفاءات الموظفين بناءً على انتمائهم لأجيال مختلفة قد جعلنا ننسى أن الأفراد هم بشر في الأساس، ولكي نفهم جيداً كيف يتصرف الناس وطبيعة من نعمل معهم، علينا تطبيق حل يتجاوز مسألة تعدد الأجيال في مكان العمل، وذلك من خلال فهم الآخرين والتعامل معهم كأفراد مستقلين لا باعتبارهم نِتاج جيل معين. تقول نيلوفر ميرشانت، الرائدة في مجال الابتكار، "إن علينا فهم فردانية الشخص، فعندما نحاول فهم سلوكيات الأشخاص ومشاعرهم كأفراد، سنلاحظ أن تصرفاتهم انعكاس لفردانيتهم وليست تعبيرا عن جيل معين، لكن هذا يتطلب منا التحلي بالمرونة"، وتنهي د. ليا محاضرتها بأن نقوم بالتركيز على حجم القيمة التي يضيفها الفرد إلى مكان العمل؛ لأن تلك القيمة هي التي تسهم في إثراء العمل ودعم إنتاجيته، فتقول: "دعنا نكرر ذلك مرارا حتى نصل إلى عالم خالٍ من التصنيفات المبنية على الأجيال، عالم نعمل فيه مع أفراد لا مع أجيال". إذاً علينا في الكويت أن نردم الفجوات المختلقة بين الأجيال ليس في بيئة العمل فقط، بل على المستويات والصعد كافة، وفي كل قطاعات وخدمات الدولة حتى يشعر بها المواطن والمقيم، فهل تستطيع الحكومة أن تتعامل بواقعية وحرفية وابتكار مع شعب متعدد الأجيال، مطالباته عادلة وعالقة، تكررت عبر السنوات، وارتبطت بالصحة والأمن والتعليم والسكن وتنمية فرص العمل وتحسين الخدمات وتطبيق القانون ومحاربة الفساد وتنويع الاقتصاد؟
مقالات
بوصلة: التعامل مع شعب متعدد الأجيال
26-12-2021