شيخة الحميضي الإنسانة الرائدة
الكتابة عن شيخة الحميضي ـــ رحمها الله ـــ هي الكتابة عن جيل الرواد من نساء الكويت. تلك الشخصيات النسائية اللواتي تركن بصمة في المجتمع ودور المرأة الرائد فيه، في زمن لم يكن للمرأة صوت مسموح له أن يسمع. كانت تطل على الورق ورفقتها باقتدار ودون تكلف ــــ خلال دراستي للتطور السياسي الكويتي والبحث عن دور للمرأة فيه ـــ بل بالتزام وإرادة ورؤية، انطلاقاً من أنه لا يستقيم مجتمع ولا يتكامل دون أن يكون للمرأة دورها الفاعل في التنمية جنباً إلى جنب الرجل، وهكذا كانت، فلم تستكن للظروف المجتمعية العاتية، بل عملت وواكبت، وصمدت، وخرجت للتعبير عن رأيها بإصرار وثبات واحترام، متآلفة مع عدد من نساء الكويت الرائدات اللواتي أضفين على حق المرأة وحريتها وإسهامها في المجتمع احتراماً وتقديراً كبيرين.ولربما تعزى سلاسة دخول المرأة في الحياة العامة إلى هذا الجيل، الذي كانت شيخة الحميضي إحدى رائداته، دون إفراط أو تفريط. ولربما كانت إسهاماتها ـــ رحمها الله ـــ غير ظاهرة للكثيرين، لأنها ممن يعملن بهدوء وثبات منقطع النظير.
وفي حين أنني كنت قد كتبت الكثير عن زوجها الراحل، أحد أبرز رموز النهوض السياسي، جاسم القطامي، دراسة بعنوان "رجل ما فقد ظله"، إضافة إلى مقالات عديدة، فإن ذلك لا يمكن له أن يكون دون وجودها بجانبه، لا وراءه، تشاطره الرأي والرؤية، والمعاناة المتكررة مع السلطة، منذ استقالته كمدير للشرطة، أو إقالته من عمله لاحقاً، أو حين الانفراج وتكليفه بتأسيس وزارة الخارجية في 1961 ، أو حتى الملاحقة والتضييق عليه في حقبة الثمانينيات. إلا أنها لم تتوقف أو تتوانَ في تربية الأبناء أو البذل والعطاء، وعلى المستوى العام بالفعل والنصح، إلى أن توفاها الله. فإن كانت هناك ملامح نهضة مرتجاة، أو أمل نتوخاه، فإن ذلك يعود بقدر كبير إلى قدوات صالحات في المجتمع، من أمثال شيخة الحميضي، ورجال من أمثال جاسم القطامي، وهم كثر، ورسالتهما الرائدة لمجتمع تحيطه العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص، وتنبذ فيه الفئوية والتمييز بكل أشكالها. رحم الله شيخة الحميضي رحمة واسعة، وأسكنها فسيح جناته، وألهم أهلها وذويها ومحبيها الصبر والسلوان، و"إنا لله وإنا إليه راجعون".