إعادة كتابة العقد الاجتماعي (6) العصبيات العربية
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
العصبيات العربية متعددة: القبلية، العرقية، المذهبية، الطائفية، يجمعها شعار واحد "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" وبيت الشاعر الجاهلي دريد بن الصمة:وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد التعصب آفة البشرية الكبرى، دينياً أو طائفياً أو عرقياً قبليا أو دنيوياً علمانياً كعبادة العقل في الثورة الفرنسية أو عقيدة وضعية كعبادة الزعيم في الاتحاد السوفياتي أو ديمقراطيا في الانحياز للطبقة الرأسمالية أو فلسفياً كما في دولة أفلاطون الشمولية والمدينة الفاضلة لتلميذه المعلم الثاني الفارابي، وكانت أوروبا محكومة بالمنطق العصبوي العرقي والديني قروناً متطاولة، وولد حروباً طاحنة أودت بالملايين، لكن الغربيين نجحوا في استخلاص الدروس ووصلوا إلى مرحلة من النضج السياسي مكنهم من بناء علاقات قوية قائمة على التعاون والتكامل، وحل المشاكل السياسية والاقتصادية الناجمة بين دولهم بحكم المنافسة الاقتصادية الرأسمالية بالحوار والتفاهم، قادة الغرب يتنافسون سياسياً وشعبياً ويختلفون إلى حد الصراع الاقتصادي فيما بينهم، لكن هذا التنافس الاقتصادي والاختلاف السياسي لا انعكاس سلبي لهما على مصالح شعوبهم ولا على حقوقهم في التنقل والعمل والتملك والتجارة والاستثمار، بخلاف الحاصل عندنا عربياً وخليجياً، ما إن يختلف قادة دولتين سياسيا حتى يبدأ التراشق الإعلامي وتقام الحواجز بينهما وتتضرر مصالح الشعبين. منذ العصر الجاهلي وعبر التاريخ العربي والإسلامي كانت العقلية القبلية هي الحاكمة للمجتمعات العربية، وعندما جاء الإسلام كان من أوائل مبادئه تحويل القبلية إلى طاقة إيجابية نافعة، ونجح الرسول عليه الصلاة والسلام إبان فترة حياته في توظيف الطاقة القبلية في خدمة الدعوة والدولة الإسلامية الناشئة، لكن بعد وفاته عاد الغالبية إلى نزعاتهم التعصبية الكامنة في نفوسهم فكانت الفتنة الكبرى وما تلاها من أحداث دامية فرقت المسلمين شيعاً متخاصمة.وفيما يتعلق ببيتنا الخليجي الذي نعتز به ويسعى الكثير من أبنائه المخلصين إلى دعمه وصيانته وتطويره لمزيد من التقارب والتماسك والتعاون وتعزير المشترك الخليجي فإن العقلية القبلية ونزاعات الماضي مازالتا مؤثرتين سلبا على علاقات بعض دوله ومجتمعاته رغم أن قادة الخليج استطاعوا، بلطف من الله وعونه، أن يتجاوزوا في قمتهم الأخيرة قمة الرياض كثيراً من مخلفات عقلية التخاصم،،، يتبع.* كاتب قطري