في الساحة السياسية الآن فريقان أو توجهان يتحفز كل واحد منهما للعمل مع بداية دور الانعقاد الثاني:الفريق الأول، يريد الاستمرار في التصعيد كما تم في دور الانعقاد الأول، ويرفع شعار "رحيل الرئيسين مطلب شعبي"، وأعلن هذا الفريق نيته استجواب رئيس الوزراء، وهدد أيضاً بعض الوزراء في حال عودتهم إلى الحكومة، وإن أدى ذلك إلى حل مجلس الأمة، ويستشهد هذا الفريق بمواقف سابقة للحكومة وبتأخر تشكيلها، ويحظى هذا التوجه بتأييد مجموعة من النواب.
والفريق الثاني، يطمح أن يسود الاستقرار في دور الانعقاد الثاني لكي يستطيع إقرار مجموعة من القوانين التي يراها مهمة مثل إلغاء قانون المسيء، وتعديل قانون رد الاعتبار، وقانون الانتخاب، وقانون الجمعيات السياسية، وقانون الإسكان، وغيرها من القوانين، ويستشهد هذا الفريق بتجاوب الحكومة في موضوع العفو، ويحظى هذا التوجه بتأييد مجموعة أخرى من النواب.ولا نعلم أي التوجهين سيفرض مساره في المرحلة السياسية القادمة، ولكن لا بد أن نسلط الضوء على بعض المحطات لعلها تكون ذات فائدة:أولاً: لقد تسرب خلاف المجموعتين إلى وسائل التواصل، واتسم بعضها بالحدة والهجوم على الآخر، وكان الأفضل هو احترام وجهة النظر الأخرى واللجوء إلى الحوار الهادئ بدلاً من لغة الهجوم والإساءة التي يمارسها الآخرون، والتي انتشرت للأسف مؤخراً في الكثير من وسائل الاتصال.ثانياً: لا شك أن إعلان استجواب رئيس الوزراء قبل تعيين الحكومة أو فور تشكيلها مخالف للدستور، حيث بيّنت المذكرة التفسيرية للدستور أن المادة (57) اكتفت بمجرد إعادة تشكيل الحكومة على النحو الذي يرتئيه أمير البلاد على أن يكون هذا التعيين نهائياً، وغير معلق على إصدار قرار من المجلس بالثقة بالوزارة الجديدة، كما لا يجوز دستورياً استجواب الحكومة على مواقف سابقة أو الاشتراط عليها أن توافق على قوانين معينة من أجل استمرارها. ثالثاً: هل سيصمد النواب مؤيدو التوجه الثاني إذا ما شن مؤيد التوجه الأول حملات إعلامية في "تويتر" وفي جميع وسائل التواصل عليهم واتهموهم بالخضوع للرئيسين والتراجع عن المواقف التي أعلنوها بعد الانتخابات؟ وهل سيصمد الفريق الثاني عند موقفهم الداعي للاستقرار إذا قدم الفريق الأول استجوابا لرئيس الحكومة أم سيتراجعون وينضمون إلى الفريق الأول استجابة لضغوط شعبية موجهة؟رابعاً: هل سيقبل أصحاب التوجه الثاني رفض الحكومة أو بعض النواب لبعض القوانين التي يريدونها؟ أم سيلجأون للتصعيد من جديد؟ وهل سيقبلون الخلاف مع بعض النواب والقوى السياسية في وجهات النظر حول بعض القوانين التي يطالبون بها وتعديلها أو تأجيلها؟ أم سيصرون عليها دون تعديل؟ وهل سيعود الخلاف بينهم مرة أخرى وينحدر إلى مستوى الطعن والتخوين وإلغاء الآخر؟ذكرت في أكثر من مقالة سابقة أن الدستور الكويتي تم وضعه بالتوافق ولا يمكن أن يطبق بصورة صحيحة إلا باحترام كل سلطة حقوق وصلاحيات السلطات الأخرى، لذلك فإن جميع أعمال المجلس من استجوابات وقوانين ومواقف يجب أن تكون متفقة مع هذه الأسس والقواعد الدستورية، وأيضاً يجب أن تعالج جميع الملاحظات والمحطات التي ذكرتها وفق الدستور وأحكامه في جو من احترام الرأي والرأي الآخر.الجميع يلاحظ اليوم زيادة درجة التذمر من ممارسات المجلس بشقيه، ومن التأزيم المستمر في البلاد، حتى بدأت الأصوات التي تطالب بتجميد أو تغيير الدستور بالارتفاع مستشهدة ببعض الممارسات التي لم تعد تعترف بالدستور ولا بأحكام المحكمة الدستورية، لذلك على الفريقين في دور الانعقاد الثاني الحذر من استغلال هذه الممارسات لكي لا يتحقق لتلك الأصوات مأربها، وعليهم التسلح بالعلم الدستوري والحكمة والإقناع للوصول إلى الأهداف التي تحفظ الممارسة البرلمانية السليمة وتحقق المصلحة العامة في الوقت نفسه.
مقالات
رياح وأوتاد: أي الفريقين سيفرض مساره في المرحلة السياسية القادمة؟
27-12-2021