الشرق الأوسط والتراجع الأميركي
![جيمس زغبي](https://www.aljarida.com/uploads/authors/222_1682522396.jpg)
وهؤلاء المؤدلجون لم تكن لهم دراية بثقافة أو تكوين أو تاريخ أي من البلدين، ولذا غلّبوا الأيديولوجيا على الواقع، ونتيجة لذلك، كانت الجهود، منذ البداية، قد حُكم عليها بالفشل، وكلفت هذه الحروب الولايات المتحدة وأفغانستان والعراق الكثير من الأرواح والأموال، وخسائر الأفغان والعراقيين لا تحصى.أما الولايات المتحدة، فقد خسرت أرواح أكثر من ستة آلاف جندي، مع تشويه عشرات الآلاف ما بقي لهم من الحياة، فقدنا في كل عام، منذ نهاية القتال النشيط في كل من أفغانستان والعراق، أكثر من 6000 من قدامى المحاربين الأميركيين نتيجة الانتحار، أي 20 مقاتلاً سابقاً يومياً! وبالإضافة إلى هذا، هناك عشرات الآلاف ممن انضموا إلى صفوف المشردين والمدمنين على المخدرات، وكل هذا نتيجة الصدمات التي سببتها الحرب.وتأثرت معنويات الجيش، وتكلفنا حتى الآن أكثر من ثلاثة تريليونات دولار نتيجة هاتين الحربين ومعالجة قدامى المحاربين والمشوهين والمصابين باضطراب ما بعد الصدمة والمدمنين، والحربان كانتا كارثيتين لأنهما لم تحققا الهدف منهما.فالتطرف لم يُهزم بل تحول إلى أشكال أكثر ضراوة، وانتشر في عدد أكبر من البلدان، وأُطلقت يد إيران الآن في المنطقة، وأصبحت أكثر جرأة على التدخل في شؤون الآخرين، وضعفت هيبة الولايات المتحدة. وكان هدف «المحافظين الجدد» كسب الحرب وضمان قرن من الهيمنة الأميركية في عالم أحادي القطب، لكن ما حدث أن لدينا الآن عالماً متعدد الأقطاب تسعى فيه قوى إقليمية وعالمية أخرى وراء تحقيق طموحاتها الاستراتيجية في بلد بعد آخر على امتداد الشرق الأوسط، ولذا، سواء بقينا في أفغانستان أو انسحبنا منها، فقد ترسخ بالفعل واقع جديد.هناك قوى أخرى تحل محلنا أو تتنافس معنا على النفوذ، ونفوذنا محدود، لكن ما زال للولايات المتحدة نفوذ في الشرق الأوسط- اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً- ومازلنا نمثل الاقتصاد الأكثر نجاحاً في العالم، ومازال لدينا قدرات ردع كبيرة يمكنها الدفاع عن الحلفاء، ومازالت «قوتنا الناعمة» أهم أصولنا،ورغم الكارثية المحتملة لرحيل الولايات المتحدة، فإنه لم يكن هناك بد من تقليص خسارتنا ومغادرة أفغانستان وإنهاء دورنا القتالي النشط في العراق، لكن اتخاذ هذه القرارات لا يعني، بحال من الأحوال، تخلينا عن المنطقة، إنه يعني ببساطة أننا أدركنا الحقائق التي تجاهلها «المحافظون الجدد»، وما نحتاجه الآن هو فحص واضح للضرر الناجم عن كلتا الحربين وتعديل موقفنا الإقليمي ليوائم بشكل واقعي بين احتياجاتنا وقدراتنا حتى نحقق أفضل حماية لمصالحنا وحلفائنا.* رئيس المعهد الأميركي العربي في واشنطن.