الشركات الخاصة تزيد تعقيدات حوكمة الفضاء
من المعروف أن مشاكل حوكمة الفضاء تزداد تعقيداً مع مرور الوقت، حيث تتعلق المشكلة الأساسية المتوقعة خلال السنوات المقبلة بتوسّع نفوذ شركات الفضاء الخاصة، فقد كان معظم الجدل المتعلق بحوكمة الفضاء يتمحور حتى الآن حول الجهات الحكومية، وقد تضمن الشركات الخاصة بعض المنافع عبر تخفيض كلفة الوصول إلى الفضاء مثلاً، لكنها ستؤدي على الأرجح إلى تفاقم المشاكل التي تواجهها حوكمة الفضاء أصلاً.دخلت شركات خاصة جديدة إلى عالم الفضاء في العقد الماضي، وتطرح شركات متزايدة أفكاراً جديدة في قطاعات مثل إطلاق الأقمار الاصطناعية وتصنيعها، وتكنولوجيا الدفع، والخدمات الفضائية، ومن المتوقع أن تفوق قيمة القطاع الفضائي العالمي عتبة التريليون دولار بحلول عام 2040، علماً أنها تبلغ اليوم 30 مليار دولار، ووفق تقرير وكالة Space Tech Analytics لعام 2021، تنشط في هذا القطاع اليوم أكثر من 10 آلاف شركة متخصصة بتكنولوجيا الفضاء و5 آلاف شخص من كبار المستثمرين، وتُعتبر شركة SpaceX الأشهر بينها طبعاً، لكن تشهد حصة الشركات في هذا القطاع توسعاً متزايداً اليوم وستتابع توسّعها في السنوات المقبلة.تتعدد المنافع المترتبة عن هذا الوضع، منها إعطاء طابع ديموقراطي للفضاء وتسهيل وصول مختلف الجماعات إليه، فقد تتسارع هذه النزعة أيضاً إذا تراجعت تكاليف إطلاق المركبات وتصنيع الأقمار الاصطناعية، فقد بدأت هذه الشركات ترفع سقف الطموحات الفضائية لإنشاء مستعمرات على القمر والمريخ، كذلك، تتعدد الجهات التجارية التي تستثمر في التقنيات القادرة على تحويل السياحة الفضائية إلى واقع ملموس، وهي تحاول تقديم هذه الخدمة إلى فئات جديدة لا تقتصر على أصحاب المليارات.
تُركّز شركات فضائية خاصة أخرى على استعمال مقاربات أكثر نفعية عبر بناء أقمار اصطناعية وقاذفات صغيرة، منها شركتا Rocket Lab وAstra اللتان تحاولان تسهيل وصول كيانات أصغر حجماً إلى الفضاء مثل شركات الفضاء الخاصة الصغيرة والجامعات والباحثين، وتقع شركة Rocket Lab في نيوزيلندا وقد أطلقت صواريخ السبر دون المدارية في عام 2009، ثم بَنَت صاروخ "إلكترون" الأكبر حجماً، وجرى اختباره للمرة الأولى في 2017 وحصل أول إطلاق تجاري له في 2018، وتعمل شركة Rocket Lab راهناً على تصميم صاروخ متوسط الرفع وأكبر حجماً اسمه "نيوترون" لنقل الحمولات الثقيلة. تنتظر شركات تصنيع القاذفات الفضائية دورها، مثل Astra وFirefly Aerospace، وتُخطط جهات أخرى لبناء صواريخ مختلفة لإطلاق الحمولات نحو المدار الأرضي المنخفض، وتقع معظم هذه الشركات في الولايات المتحدة، لكن تشمل دول أخرى مثل الهند شركات فضائية ناشئة وطموحة، وتُخطط الشركة الهندية Bellatrix مثلاً لتصنيع صاروخها الخاص المُوجّه نحو المدار الأرضي المنخفض.بالإضافة إلى شركات تصنيع قاذفات الصواريخ، يرتفع عدد الشركات الخاصة التي تُعنى ببناء أقمار اصطناعية صغيرة ونانوية، ومن المُخطط أن تنطلق مئات الأقمار الاصطناعية المماثلة خلال السنوات القليلة المقبلة تزامناً مع ظهور شركات خاصة متزايدة في هذا القطاع، فمن جهة تسمح هذه النشاطات المكثفة بتسهيل الوصول إلى الفضاء، فلا تقتصر هذه الميزة على الأثرياء ومحبي المغامرات الفضائية المشوّقة، بل تشمل أيضاً الشركات الصغيرة والباحثين بعد تخفيض كلفة الوصول إلى الفضاء والتقنيات الجديدة التي تسمح باستكشاف الفضاء الخارجي.لكن من جهة أخرى، يترافق هذا التقدم التكنولوجي مع جانب قاتم، ففي المقام الأول ستزيد المشاكل التي يُسببها هذا النوع من الاستغلال التجاري للفضاء الخارجي الذي أصبح مكتظاً أصلاً، وقد تعود الأقمار الاصطناعية الصغيرة في المدار الأرضي المنخفض إلى كوكب الأرض في نهاية المطاف وتحترق في الغلاف الجوي، لكنها تزيد في الوقت نفسه كثافة الأجسام في الفضاء الخارجي، كما تتعلق مشكلة أخرى بزيادة تعقيدات حوكمة الفضاء بعد ظهور هذه الشركات الخاصة الجديدة، وهو سبب إضافي كي تتكاتف الجهات الحكومية وأهم الدول التي تستكشف الفضاء لطرح قواعد جديدة كي يبقى الفضاء الخارجي ميزة مشتركة للبشرية كلها.