لست أعرف وصفاً دقيقاً للحالة التي يمرّ بها البلد هذه الأيام، وكذلك الحالة التي تعيشها بعض الشخصيات السياسية. فعلى مستوى الدولة، وتحديداً توجهات رئيس الحكومة، نجد أنه يشكّل حكوماته بحالة من عُسْر الهضم السياسي، من دون أدنى شك، وترجع العلّة في ذلك إلى أنه غير قادر على تشكيل حكومة بإرادة كاملة وعلى أساس رؤية أو برنامج محدد، ولذا فهو ليس رئيساً لحكومة، بل لأشخاص يُكلَّفون ببعض المهام التي تخص الحقائب الوزارية التي يشغلونها لا غير، فلا شأن لهم برسم السياسة العامة الحكومية للدولة ولا مساراتها ولا التنسيق بشأنها، الأمر الذي يمكن معه القول، بأريحية، إنه لا شأن للحكومة لدينا بأهم منطلقاتها الدستورية، وهي المواد ٥٢ و٥٦ و١٢٣ و١٢٨ و١٣٠ من الدستور، لأنّ الحكومة تُشكَّل على منهجية "التلزيق"، ومن ثم لا تنشأ ككيان، وليس لها قوام (السلطة التنفيذية)، وهو ما تنفرط معه فكرة الحكومة والتضامن الوزاري الحقيقي، لأننا أمام وزراء يلعبون بطريقة فردية، فمنهم المفروضون على رئيس الوزراء، ومنهم مَن جاء بعباءة شخصيات برلمانية، وآخرون بعباءات القبلية أو الطائفية أو الفئوية أو بضغوط سياسية، وتلعب المحاصصة وهْمَ تأمين أغلبية هشّة مؤقتة غايتها، وليس البرنامج الوطني والنهج الإصلاحي، ويبقى عدد محدود جداً هو اختيار رئيس الوزراء، ولا يمكن أن يكون النجاح والإنجاز والحزم سمات لحكومة تُشكّل هكذا، بالرغم من احتمال حُسْن نيّة رئيسها، لكنّه مُكرَه لمحاصرة الخيارات أو مصادرتها برغبة وإرادة وبمخطط غايته الاستحواذ وتعظيم الترضيات السياسية أو المكاسب الشخصية.
بل إرادة رئيس الحكومة مأسورة تحيط بها شخصيات تبحث عن مجد موهوم أو مال مذموم أو مصالح محمومة، وهي جميعها عقبات تؤدي إلى فشل الحكومات لدينا واحدة تلو الأخرى.وفِي ظل مثل هذه الأجواء وتلك الاعتبارات، فإنّ مهمة القبول برئاسة الحكومة تمثّل انتحاراً سياسياً، لأن مكوناتها في معظمها من أطراف خارجها، ومتطلبات سيرها تخضع لطلبات ومساومات أو ابتزاز نيابي، فغالبية النواب يسعون إلى مكاسب انتخابية أو منافع شخصية أو مصالح ذاتية، يحققونها من خلال الحكومة ذاتها، لضعفها أمامهم وتتودد لإرضائهم، دون اعتبار لمصلحة البلد، هذا كله كفيل بتفكيك البلد، وهو ما شاهدناه عبر حكومات عديدة، وهو ما أوجد شعوراً بأن الإدارة الحكومية وتحالفاتها التجارية وغطاءها السياسي تسير نحو تصفية البلد والإسراع ببيعه، ولذا فإنّ الحكومة لن تخرج عن نطاق القرارات الآنية والارتجالية التي تستجيب لطمع تجاري أو جشع مالي أو ابتزاز سياسي، وفي أحسن أحوالها تصرّف الشؤون اليومية للإدارة، وليست حكومة تضع سياسات وترسم خططاً وبرامج، وتبني بلداً وترعى مصلحته، وهذا هو بيت الداء الذي يحكم البلد ببرلمانه وحكومته، وهم جميعاً بين مطرقة التصفية وسندان الانتحار السياسي لدولة ضاعت صقلتها.
أخر كلام
انتحار سياسي... أم تصفية وطن؟
29-12-2021