قبل منتصف الليل بقليل في 31/ 12/ 1990 وأثناء الغزو العراقي كنت متوجهاً إلى المنزل من منطقة الشامية إلى الدعية على طريق الدائري الثاني، أوقفتني نقطة التفتيش العراقية (السيطرة) المقامة على الجسر بين النزهة والضاحية، وإذا فيها الجندي العراقي (عباس) الذي سبق أن تعرفت عليه من قبل وكتبت عنه مرات عديدة، حيث كونت معه صداقة وكنت أزوده بالحليب والخبز وبعض الأغراض، وكان يتساهل معي في التفتيش اليومي، وهو الأمر الذي اعتاده الصامدون في الكويت بتعاملهم مع أفراد القوات العراقية البائسة، حيث كانت تنقصهم دوماً المؤونة والكسوة ولا يتوقفون عن الطلب والتسول من الكويتيين، وكنا نمدهم بما يطلبون حتى يتساهلوا معنا في الإجراءات اليومية الوقحة والمستفزة.مباشرة كلمني الجندي عباس وهو في غاية السخط والتذمر، فبينما هو وباقي الجنود واقفون على الجسر في الجو الممطر والبارد والظلام أشار إلى الشاليه المقام بجوارهم أسفل الجسر بمنطقة النزهة، وقال لي نحن واقفون هنا طوال الليل تحت البرد والمطر نفتش الناس ونحرس ضباطنا وهم يسهرون الليلة ويرقصون مع بعض المقيمين في البلد، ويقيمون احتفالاً مختلطاً يدار فيه المشروب والأغاني بمناسبة عيد ميلاد ابنة رئيس العراق (حلا صدام) الذي يبدو أنه يصادف تلك الليلة.
لم يتوقف عباس عن ازدراء الضباط وشتيمتهم هم والنظام العراقي بغضب والدعاء عليهم وعلى احتفالهم، وكيف أنهم أحضروا كعكة خاصة ورفعوا صوت الأغاني وشربوا حتى الثمالة رغم الأجواء العسكرية الخطيرة في الكويت وفي المنطقة وترقب الجميع لنشوب الحرب، لكنه يعلم أن هذا أقصى ما يمكنه فعله، فلو سمعوا كلامه أو وشى به أحد من زملائه لكان مصيره القتل والإعدام بدون شك.بالطبع لم أعلق على كلام الجندي عباس، واكتفيت بمواساته قليلاً، ثم عبرت نقطة التفتيش وأنا أفكر بهذا الجيش الغازي المتآكل من الداخل والمفكك تماماً والمنهارة معنوياته، والذي يلهو ضباطه ويسكرون في منتصف الليالي، كيف سيواجهون جيوش التحالف المجتمعة في المملكة بعدتهم وعتادهم، فوالله إن هزيمة العراق في الحرب وتحرير الكويت لم تكن يوماً محل شك في قلوبنا، والحمدلله هذا ما وقع، فسلم الله لنا بلادنا وأعادها لنا وطهرها من المعتدين، وكانت تلك الحادثة العابرة من غرائب ما صادفني في الغزو العراقي الغادر من أحداث وما أكثرها، والله الموفق.
مقالات
غرائب من ذكرى الغزو العراقي
30-12-2021