قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة نادرة لإسرائيل، لإجراء محادثات بشأن قضايا اقتصادية وأمنية مع وزير الدفاع بيني غانتس، لكن من دون آفاق تُذكر لاستئناف مفاوضات السلام المتوقفة منذ فترة طويلة.

وعلى وقع الانقسامات العميقة على مسألة إقامة دولة فلسطينية داخل الحكومة الائتلافية برئاسة اليميني المتشدد نفتالي بينيت، واستمرار التناحر بين حركتَي فتح وحماس، استضاف غانتس عباس في منزله بمدينة روش هعين ليل الثلاثاء - الأربعاء، وبحثا الوضع الأمني وتعزيز الاقتصاد.

Ad

وكتب غانتس، في تغريدة، «ناقشنا اتخاذ إجراءات اقتصادية ومدنية، وأكدنا أهمية تعزيز التنسيق الأمني ووقف الإرهاب والعنف، لمصلحة الإسرائيليين والفلسطينيين كليهما».

وفي تعليقه على الاجتماع، لم يورد غانتس، الذي التقى عباس في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة قبل نحو 4 أشهر، أي ذكر لعملية السلام المتوقفة منذ عام 2014 بعد انهيار محادثات رعتها الولايات المتحدة.

وأكدت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن الاجتماع تناول «قضايا أمنية ومدنية على المحك» وركّز على «الاهتمام المشترك في تعزيز التنسيق الأمني والحفاظ على الاستقرار ومنع الإرهاب والعنف»، مبينة أن غانتس أبلغ عباس «أنه يعتزم مواصلة الإجراءات الهادفة إلى تعزيز الثقة في المجالين الاقتصادي والمدني».

الفرصة الأخيرة

وفي تعليقه على أول زيارة يقوم بها الرئيس الفلسطيني لإسرائيل منذ أكثر من 10 سنوات، اعتبر وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، في تغريدة، أن الاجتماع الذي حضره ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج «تحدّ كبير والفرصة الأخيرة قبل الانفجار والدخول في طريق مسدود، ومحاولة جدية جريئة لفتح مسار سياسي يرتكز على الشرعية الدولية، ويضع حدا للممارسات التصعيدية ضد الشعب الفلسطيني».

وفي وقت سابق، أوضح أن اللقاء «تناول العديد من القضايا الأمنية والاقتصادية والإنسانية، وأهمية خلق أفق سياسي يؤدي إلى حل سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية»، وأيضاً «الأوضاع الميدانية المتوترة بسبب ممارسات المستوطنين».

ولاحقاً، اتخذ غانتس جملة من التدابير الجديدة الخاصة بالفلسطينيين، أبرزها الاعتراف بوضع 6 آلاف مقيم بالضفة الغربية بأنهم من سكانها، في خطوة من شأنها تسهيل تنقلهم، إضافة إلى حصول 3500 في قطاع غزة كذلك على وثائق إقامة رسمية لأسباب إنسانية.

وأعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية موافقة غانتس، بعد لقائه عباس، على تحويل نحو 32 مليون دولار من أموال الضرائب المحتجزة لدى إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية، وإصدار تصاريح لـ500 رجل أعمال لدخول إسرائيل بالسيارات، وإضافة العشرات من التصاريح لكبار الشخصيات والمسؤولين الفلسطينيين.

وذكرت الإذاعة الإسرائيلية العامة أن غانتس ينوي مواصلة دفع إجراءات بناء الثقة قُدماً في المجالين الاقتصادي والمدني. ونقلت عن مصادر فلسطينية أن عباس أكد أنه «لن يسمح بممارسة العنف واستخدام الأسلحة النارية ضد الإسرائيليين، بغضّ النظر عن طبيعة العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وأنه لا يمكن التنازل عن التنسيق الأمني تحت أي ظرف».

وتعتبر هذه الزيارة الأولى لعباس إلى داخل إسرائيل منذ 10 سنوات، وكان قد اجتمع مع غانتس في 30 أغسطس الماضي في رام الله، وتم الاتفاق حينها على عدة تسهيلات مقدمة للسلطة، بما في ذلك إصدار تصاريح لمّ شمل في الضفة الغربية بعد انقطاع استمر سنوات.

تنديد مزدوج

ولاقى الاجتماع، الذي جاء في أوج الهجمات الإرهابية للمستوطنين اليهود وعمليات ينفذها فلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية، تنديداً من الجانبين الفلسطيني ممثلاً في حركة حماس، والإسرائيلي في حزب ليكود الحاكم سابقاً.

واعتبر «ليكود» اليميني بزعامة رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، في بيان، أن «حكومة بينيت تعيد أبو مازن والفلسطينيين إلى جدول الأعمال، وتنازلاتها الخطيرة لأمن إسرائيل ليست سوى مسألة وقت»، مؤكداً أن «حكومة بينيت/ ساعر/ لابيد تشكّل خطراً على إسرائيل».

وبينما وصفت أحزاب اليمين الإسرائيلي المتشددة لقاء عباس وغانتس بالمسيء لليهود، دافعت حركة فتح عنه، واعتبرت أنه محاولة جدية لوضع حد للممارسات التصعيدية ضد الشعب الفلسطيني، ولفتح مسار سياسي يرتكز على الشرعية الدولية.

ونددت الفصائل الفلسطينية عقب اجتماع طارئ في غزة بالاجتماع «الذي جاء في وقت تشهد فيه مدن الضفة الغربية والقدس حالة ثورية تقلق الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين».

واعتبرت الفصائل، في بيان مشترك، أن الاجتماع «لن يضيف لشعبنا وقضيته الوطنية إلا مزيداً من التغطية الرسمية لحكومة الاحتلال في الاستمرار بمزيدٍ من الاستيطان ومصادرة الأراضي والاستمرار في سياسة القتل والاعتقالات الإسرائيلية».

وعبرت حركة حماس عن «بالغ إدانتها واستنكارها» للاجتماع، معتبرة أنه يمثّل «استفزازاً لجماهير الشعب المحاصر في غزة، ولتصعيد عدواني يستهدف أرضهم وحقوقهم الوطنية ومقدساتهم في الضفة الغربية المحتلة والقدس»، متهمة السلطة بأنها تعمق الانقسام وتشجع الدول على التطبيع. واعتبرت حركة الجهاد أن الاجتماع «جاء تكريسا للدور الوظيفي للسلطة التي تبحث عن حلول للخروج من أزماتها وعجزها وفشلها، على حساب مصالح الشعب وحقوقه وقضيته الوطنية».

كما اعتبرت جبهة تحرير فلسطين أنه يأتي «إمعانا في الوهم والرهان على السراب، وتنكرا لدماء الشهداء وعذابات الأسرى وكل ضحايا الاحتلال وقواته». وقالت المبادرة الوطنية الفلسطينية إن حصر اللقاءات مع وزير الدفاع «يعني تكريس العلاقات مع الجانب الفلسطيني على أنها علاقة محتل، وتخفيض سقفها إلى القضايا الأمنية والخدماتية فقط».

إلى ذلك، أكّد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، أنّ الضفة الغربية تشهد بوادر انتفاضة، ونهوضًا للمقاومة من جديد، وعمليات بطولية متواصلة يرصدها القريب والبعيد.

وقال هنية، خلال مؤتمر القدس العلمي الخامس عشر، «الشعب الثائر في الضفة كسر كل أطواق الخوف، وأفشل كل المخططات الصهيونية الهادفة إلى بناء ما يسمى الفلسطيني الجديد المُنشغل فقط بالوضع الاقتصادي والمعيشي».

ميدانياً، استهدفت القوات الإسرائيلية بقصف مدفعي، نقطة رصد تابعة للضبط الميداني جنوب شرق مدينة غزة، بعد إصابة عامل من وزارة الدفاع الإسرائيلية في ساقه بنيران أطلقت من القطاع. كما قصف الجيش نقطتَي رصد للضبط الميداني شمال بيت لاهيا بشمال القطاع، وأطلقت زوارق حربية إسرائيلية قذائفها قرب شواطئ شمال القطاع.

ولليوم الثالث على التوالي، دفعت إسرائيل بقوات إلى منطقة النقب، وواصلت آلياتها وجرافاتها عمليات تجريف الأراضي وإبادة المحاصيل الزراعية التابعة لعائلة الأطرش في قرية الرويّس، كما دهمت الآليات والجرافات منطقة النقع شرق تل السبع في أعقاب تجدد المواجهات مع الأهالي.