ثقافة التخييم الحديثة وتناقضها مع القيم البيئية
مفهوم التخييم التقليدي عبارة عن نشاط ترفيهي وفرصة لعزل النفس، للاستمتاع بجمال الطبيعة، والهروب مؤقتًا من تعقيدات الحياة الحضرية وصخبها. كان مفهوم التخييم أو "الكشتة" مرتبطا بالبساطة، حيث يتجه الناس إلى البر بأدوات بسيطة؛ مثل الخيم الشراعية والبساط، و"الدوه" وحافظات الشاي والقهوة والطعام، لقضاء وقت ممتع والاسترخاء في البر.لكن مع مرور الوقت وتطور وسائل الراحة وزيادة عدد السكان، تغيّر مفهوم التخييم في الكويت، وصاحب هذا التغيير سوء إدارة مواقع التخييم.
يتسم مفهوم التخييم الحديث باتساع نطاق ومساحة التخييم، وارتباطه بتوفير وسائل الرفاهية والراحة، فنجد المخيمين يحيطون أنفسهم بجميع عناصر التمدن التي تركوها في المناطق الحضرية؛ مثل أسوار الإنارة وإنشاء الحمامات والمطابخ المجهزة بالأسمنت والسيراميك. كما تقوم بعض المخيمات بتأجير سيارات البقي التي تمثّل مصدر إزعاج لرواد البر، لتسببها في الضوضاء وانتشار الغبار. وتشير الدراسات الى أن أنشطة التخييم الحديثة وممارسات رواد البر السلبية لها آثار جسيمة على البيئة الطبيعية في الكويت التي تعتبر من البيئات الصحراوية الحساسة التي تتعرّض للأضرار، مثل انضغاط التربة وتدهور الغطاء النباتي. كما ساهمت المخيمات في انتشار المخلفات الصلبة؛ مثل البلاستيك ومخلفات المخيمات. وتتناقض ثقافة التخييم الحديثة مع القيم البيئية، فقد أدت وسائل الراحة والترفيه التي نقلها المخيمين من مناطقهم الحضرية إلى عزلهم عن الاتصال المباشر مع بيئتهم الطبيعية، مما أثر على علاقة الناس مع بيئتهم الصحراوية، وهو ما يتعارض مع الهدف الأساسي للتخييم، وهو الاستمتاع بالبيئة وتقديرها؛ من خلال خلق الارتباط الحسي والانسجام مع عناصر الطبيعة.كما يعاني المخيمون في هذا الإطار الحديث تعرّض مخيماتهم للسرقة والتخريب والازعاج والعشوائية في التنظيم. كان البر في السابق ملاذا آمنا وهادئا للناس للتعرّف على قيمة البيئة وجمالها وما تحمل من حياة فطرية مميزة، والآن أصبح مفهوم التخييم أشبه بمرفق ترفيهي مؤقت، وصار عبئا بيئيا يشكو ندرة القيم والأخلاقيات البيئية. يمكن مواجهة هذه المشكلة من خلال تطوير برنامج شامل لإدارة مواقع التخييم بناء على بيانات علمية وأسس السياحة البيئية، فوضع القوانين لا يكفي من دون وجود خطوات عملية لبرنامج التخييم ومراقبة أراضي التخييم وتقييم الآثار البيئة بشكل دوري.والمبادئ السبعة لبرنامج "لا تترك أثر" هي أحد البرامج الفعالة لإدارة الأراضي والمنتزهات الطبيعية في العديد من الدول التقدمة التي تم تطويرها على أيدي علماء البيئة. والجوهر الأساسي لهذا البرنامج يعتمد على إطار ممارسات وسلوكيات الحد الأدنى من التأثير لأي شخص يزور الأماكن الطبيعية. يجب على الهيئة العامة للبيئة والجهات الحكومية المختصة أن تطبق مثل هذه البرامج، لأن استمرار الوضع كما هو عليه سيؤدي الى تدمير وزيادة تلوث الأماكن المفتوحة للتخييم في غياب الرقابة. كذلك نجد بعض الأفراد يلجأون الى انتهاك المحميات الطبيعية بحجة الاستمتاع بها، نظرا لتلوث معظم بر الكويت.كما يجب أن ندرك قيمة السياحة البيئية وأثرها الإيجابي على الجانب الترفيهي والاجتماعي والاقتصادي للدولة. فمنع المخيمات أو الكشتات لن يحل مشكلة تدهور الأراضي، لذلك الإدارة الفعالة للأراضي الطبيعية بنهج وخطوات ومتابعة ورقابة دورية هو الحل الأمثل لتحقيق التوازن بين استخدام البيئة للترفيه، مع الحفاظ عليها واستدامتها للأجيال القادمة.* قسم علوم الأرض والبيئة - جامعة الكويت