الكويت بكبرها صارت "حارة كل من إِيْدُه إِلُه"، ونحن صغار كنا نذهب من "حي جبله" إلى مدرسة المأمون الابتدائية، ثم مدرسة الشامية المتوسطة، فنمر بالقرب من "حي المرقاب"، كان أطفال هذا الحي يقذفوننا بالحجارة، لأننا تجاوزنا حدود منطقتهم، فطبقوا مبدأ "حارة كل من إِيْدُه إِلُه"، فلا نحن أخطأنا بمرورنا بالقرب من حي المرقاب، ولا هم رجال أمن لكي يطبقوا قوانين مزاجية، ولكنها كانت تسلية أطفال تلك الفترة، مارسها أطفال الفرجان أيضاً، وكأنهم عصابات ومافيا. اليوم نردد: "الناس تثقفت.. ووسائل الإعلام تزيد هذه الثقافة بهرجة.. ورجال الأمن موجودون في كل مكان لفرض الأمن والأمان بين الناس". هذا ما يعتقده أصحاب النوايا الحسنة، الذين يعتقدون أن مدارس اليوم وجامعاتها تثقف، وأن الحياة اليوم تثقف، وأن وسائل الإعلام في أيامنا هذه تثقف، لا، فما يزيد ثقافة الناس في حب الوطن ويزيد حفاظهم على المرافق العامة واحترام حقوق الآخر شيئان: أولهما تعاليم الأسرة وتعامل أفرادها فيما بينهم، وثانيهما تطبيق القوانين على الجميع لا فرق بين وزير أو خفير.
أقول هذا لأننا كلما توجهنا إلى قاعة (القادمون) في المطار تكررت مشاهد غريبة عند موقع خروج المسافرين لاستقبال قريب لهم وصل، إما من شهر عسل، أو من الدراسة، أو من رحلة علاج، ليقوموا برشه بالورود فيضطر هذا المسافر للتوقف في طريق (المغادرين) من القاعة، فتحدث ربكة في هذا المكان، ولا ننسى "الملاقيف والحشريين" الذين يشاركون الفوضويين وقوفهم في طريق المغادرين لمجرد التهنئة، فتحدث ربكة في المطار وقد تؤدي أحياناً إلى تصادم لفظي وجسدي بين الناس، وأحياناً يُستَقبل القادمون برقصة الدحة أو العرضة في هذا المكان الضيق دون اعتبار لمتاعب المسافرين أو لمشاغل الناس وعرقلة أعمالهم، هذا عدا المتحرشين ببنات خلق الله، أو المدخنين في أماكن يمنع فيها التدخين في المطار، ويترافق هذا مع تدخل نادر من شرطة المطار لحماية المعتدى عليه أو لإعادة حالة الهدوء والأمن إلى المكان، أليس هذا مثالاً صارخاً لـ"حارة كل من إِيْدُه إِلُه"؟ شوارع الكويت لا تخرج عن هذا السلوك النمطي، فهي الأخرى تحولت إلى "حارة كل من إِيْدُه إِلُه"، بقيام مجموعة من المستهترين، "على كيفها"، بإغلاق شارع عام في منطقة سكنية أو في طريق سريع للتشفيط والتفحيط، ونادراً ما تجد شرطة أو سيارة المرور مستعدة للتدخل لفرض حالة الأمن في ذاك المكان خوفاً على ضياع الهيبة. مافيا التاكسي تحت الطلب والتاكسي الجوال نموذج جديد لـ"حارة كل من إِيْدُه إِلُه"، لأنهم سعوا لإصدار قرار منعوا بموجبه أكثر من ربع مليون وافد من تجديد رخص القيادة الخاصة بهم، وكل ذلك من أجل إجبارهم على استخدام سيارات الأجرة تحت الطلب والتاكسي الجوال، وعلى الرغم من تصريح وزير الداخلية بأنه ألغى هذا القرار المسيء لحقوق الإنسان، فمازال هناك من يعمل به، ولا نريد أن نذكر القارئ الكريم بقرار الهيئة العامة للقوى العاملة بوقف تجديد إقامة من تجاوز عمره الستين عاماً، أو بقرار تسفير العمالة الهامشية الذين جلبهم تجار الإقامات دون محاسبة المسؤولين الذين مرروا معاملات الإقامات على كيفهم، أو بإصدار أكثر من 20 ألف إجازة قيادة مزورة دون محاسبة المسؤولين الذين أصدروا هذه الإجازات، ألم نقل إن الكويت صارت "حارة كل من إِيْدُه إِلُه"؟
مقالات - اضافات
بقايا خيال: «حارة كل من إِيْدُه إِلُه»
31-12-2021