وجهة نظر: حتى لا يعود قطاع التأمين إلى الوراء
يترقب سوق التأمين باهتمام مصير الاقتراح بقانون بإلغاء القانون رقم 125 لسنة 2019 في شأن تنظيم التأمين، والذي يدور النقاش حوله في أروقة اللجنة المالية بمجلس الأمة. فقد حظي اقتراح النائب أحمد الشحومي، الداعي إلى إلغاء الوحدة وإعادة العمل بإدارة التأمين بوزارة التجارة لأسباب تعود إلى ترشيد الإنفاق الحكومي ودمج الهيئات غير الضرورية بموافقة اللجنة التشريعية في بداية شهر ديسمبر وإحالة الاقتراح إلى اللجنة المالية. فالوحدة تعتبر حديثة العهد وفي بداية مسيرتها، فقد أسست في الأول من سبتمبر 2019 بموجب القانون المذكور، وتم تعيين أعضاء لجنتها العليا في أواخر يناير 2020، أي قُبيل جائحة كورونا بقليل، وأصدرت اللائحة التنفيذية في منتصف مارس 2021. وقد كانت ولادة الوحدة بعد مخاض عسير، ونتيجة جهود سنوات عديدة سعى فيها المهتمون إلى اللحاق برَكب الدول المتقدمة وحتى المجاورة في إنشاء جهات رقابية فعالة لقطاع مالي مهم وهو التأمين.ولكن مع الأسف يأتي الاقتراح لإلغاء تجربة في مهدها ولم تعط الفرصة لتحقيق الأهداف المرجوة لينسف جهود سنوات عديدة ويعيد القطاع التأميني إلى المربع الأول.
فالأسباب الواردة في الاقتراح غير مبررة وغير مقنعة، فدعوى ترشيد الإنفاق الحكومي تسقط أمام حقيقة أن الوحدة لا تكلف الميزانية العامة، وتعتمد في وارداتها على الرسوم التي تحصلها من الشركات التي تعمل تحت مظلتها، وقد بلغ الفائض 3.9 ملايين دينار في أول سنة تشغيلية، وهي واردات من المتوقع ازديادها مع قرارات الوحدة الأخيرة، تشكل هذه الموارد المالية أدوات ضرورية لخطط الوحدة المستقبلية للنهوض بالقطاع.أما دعوى دمج الهيئات غير الضرورية فهي مستغربة، لأنها تخالف إجماع كل أصحاب الشأن ابتداء من البنك المركزي إلى هيئة سوق المال، ولا تتماشى مع التجارب المماثلة إقليميا وعالميا، ولو أسلمنا جدلا بهذه المبررات، فإن إصدار القانون قبل 3 سنوات فقط يصبح عبثا، واستمرار في مسلسل التخبط الذي نعانيه بمباركة السلطتين التنفيذية والتشريعية. فكيف يمكننا المواءمة بقانون حظي بإجماع السلطتين بالأمس، ويكون هناك اقتراح مضاد اليوم ويشق طريقه إلى قاعة عبدالله السالم بخطى ثابتة؟ الانقلاب المفاجئ والمتسرع يهدد الاستقرار المؤسسي المطلوب وتضرّ القطاعات المعنية بشكل خاص والنشاط الاقتصادي بشكل عام. فعملية إنشاء هياكل إدارية وتنظيمية تستهلك جهود كبيرة وتستغرق أوقاتا طويلة، مع العلم بأن الوحدة لم تنته إلى اليوم من بناء الفريق الفني والإداري لتنفيذ المهام والمسؤوليات المنوطة بها. إعادة الزمن إلى الوراء خلال وقت قياسي ستخلق حالة عدم يقين تزيد من معاناة القطاع، وسينبغي التعامل مع القرارات العديدة التي أصدرتها الوحدة خلال هذه الفترة. ومع ورود أنباء عن وجود ضغوط سياسية وراء الاقتراح والسعي للحصول على مقاعد في عملية التعيينات القائمة حاليا لبناء الفريق الفني والإداري للوحدة، فإننا نشعر بالأسى أن تواجه الوحدة تهديدا وجوديا بدوافع سياسية بعيدة عن أهداف النهوض بالقطاع والأغراض التي أنشئت من أجله. فعملية بناء الفريق تستدعي اتباع أفضل الأساليب الفنية لاختيار نخبة قادرة على قيادة القطاع التأميني. ولا نبالغ إن قلنا إن مثل هذا التهديد الوجودي يعتبر خطا أحمر وحساسا، وينبغي معاملته كاستقلالية البنوك المركزية في تحديد السياسة النقدية والمالية بعيدا عن الضغوط السياسية. ليس مقبولا أن تصبح مثل هذه المسائل جزءا من اللعبة السياسية لضررها العام والطويل الأمد. ونحن نتخوف من أن تمرّ مثل هذه الاقتراحات وسط التوتر السياسي الحاصل، وأن تكون الوحدة كبش الفداء، كما حصل سابقا عندما تم تأخير إقرار قانون التأمين وإنشاء الوحدة من ضمنه لسنوات عديدة بسبب التجاذب السياسي المزمن والمدمر وأصبحت الهيئات الرقابية المجاورة تتجاوزنا بأشواط عديدة. وقد دفع المستهلك ثمن هذا التأخير، حيث عجزت بعض الشركات الصغيرة عن دفع تعويضات ضد الغير للسيارات، ورفضت بعض وكالات السيارات والمستشفيات قبول التأمين الصادر من تلك الشركات. وقد كانت الوحدة جادة في تعديل وتقويم هذا المسار منذ اليوم الأول، وكان آخرها إيقاف الترخيص لثلاث شركات في بداية شهر ديسمبر لذات السبب (تخلّف عن دفع المستحقات لحملة الوثائق والمستفيدين). إن التحديات أمام الوحدة كبيرة، ومن المؤسف أن تنحرف الجهود اليوم لمجابهة ضغوط سياسية في ظل وجود مستحقات متأخرة ينتظرها كل من المستهلك وقطاع التأمين بفارغ الصبر. فالمستهلك يرغب بالطمأنينة عند شراء المنتج التأميني وضمان وجود التغطية عند وقوع الحادث أو الضرر، والقطاع مهتم بسمعته ومصداقية منتجاته التأمينية... لا نريد أن نعود إلى الوراء. * عضو لجنة تطوير قطاع التأميناتحاد شركات التأمين