مع استئناف الجولة الثامنة من المفاوضات النووية غير المباشرة في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران، طفت على السطح مجدداً صراعات الأجنحة داخل النظام الإيراني، قبيل زيارة مقررة للرئيس الأصولي إبراهيم رئيسي إلى روسيا. ووسط مؤشرات على أن حكومة رئيسي قد همشت الأوروبيين في مفاوضات فيينا لمصلحة روسيا، خصوصاً بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الخليج التي طالب فيها بإشراك الدول الخليجية بالمفاوضات النووية، تحركت أجنحة سياسية إيرانية متعددة المشارب إعلامياً وسياسياً فيما بدا أنه محاولة لكبح الميل باتجاه "المحور الشرقي" لدى حكومة رئيسي الذي يجري قريباً زيارة إلى موسكو بينما يتجه وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان إلى بكين.
ولا يزال الجدل متواصلاً داخل إيران بسبب تصريحات للسفير الروسي لدى المنظمات الدولية ميخائيل أوليانوف، اعقبت اجتماعه مع المبعوث الأميركي الخاص بملف إيران روبرت مالي، خصوصاً قوله لمجلة "فورين بوليسي" الأسبوع الماضي، إن روسيا والصين تمكنتا من "إجبار" طهران على التنازل عن بعض المواقف المتشددة في فيينا، وتأكيده أن المفاوضات تجري على أساس المسودة التي تم التوصل إليها مع الوفد الإيراني السابق.ولم يعلق المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أمس، مباشرة على السجال الداخلي، لكنه شدد على أن بلاده لا يمكنها القبول بأي مطالب تتجاوز ما نص عليه الاتفاق النووي، نافياً أن يكون هناك أي تبادل للرسائل الشفهية بين طهران واشنطن. ودعا المتحدث الغرب إلى التنازل عن "مطالبه القصوى"، مشدداً على أنّ بلاده لن تقبل بأي سقف زمني للمحادثات.وكان عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، النائب شهريار حيدري دعا إلى مساءلة كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني حول تصريحات أوليانوف في ظل انتقادات للتفريط بالسيادة الوطنية لمصلحة موسكو. وكتبت صحيفة "آرمان ملي" الإصلاحية أمس الأول: "يجب ألا يكون أوليانوف من يتخذ القرار"، وذلك وسط دعوات أميركية تجد صدى لدى بعض الاجنحة الايرانية الى ضرورة الذهاب نحو مفاوضات مباشرة أميركية ــ إيرانية. في المقابل، ربطت وكالة "نور نيوز" المقربة من المجلس الأعلى للأمن القومي بين الانتقادات للوساطة الروسية بالزيارة المرتقبة لرئيسي إلى موسكو، ووصفتها بأنها "نظرة حزبية ضيقة" وأقرت بأن طهران قد تكون قدمت بالفعل تنازلات معتبرة أن هذا هو جوهر التفاوض وأنه يجب ألا يعد تنازلاً لمصلحة موسكو أو بكين. في سياق آخر، وبينما تواصلت الفعاليات الإيرانية في ذكرى اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في مطار بغداد مطلع عام 2020 بغارة أميركية، تعرّضت وسيلتا إعلام إسرائيليتان إلى قرصنة إلكترونية صباح أمس. ونشرت على موقع "جيروزالم بوست" وحساب صحيفة "معاريف" على تويتر صورة لقبضة يد عليها خاتم بحجر أحمر اللون تنطلق منه قذيفة باتّجاه قبة متفجّرة. وجاء في نص بالإنكليزية والعبرية وضع تحت القبضة "نحن قريبون منكم حيث لا يخطر ببالكم".إلى ذلك، نشر المرشد الأعلى بإيران علي خامنئي، صورة التقطت من موقع اغتيال سليماني وكتب في تعليق: "الشهيد سليماني حيّ إلى الأبد.. أولئك الذين اغتالوه سيضيعون ويُدفنون، طبعاً بعد أن ينالوا قصاصهم الدنيوي"، مستشهداً بوسم "القصاص".بدوره، تعهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالانتقام لسليماني، ما لم تتم محاكمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وطالب رئيسي قائد "فيلق القدس" الذرع الخارجية للحرس الثوري إسماعيل قآني، بمواصلة طريق سليماني بصلابة وقوة أكبر، مؤكداً أنه كان سبباً في تحول "حزب الله" اللبناني إلى "مقاومة عالمية".وكان قآني قال في خطاب، أمس الأول، إن سليماني "كان سبّاقاً في إقامة الصلات بين الميدان والدبلوماسية"، في إشارة واضحة إلى شهادة صوتيه مسربة في أبريل الماضي، من وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف ينتقد فيها غياب دور مواز بين الجهاز الدبلوماسي و"أنشطة الميدان" في تلميح إلى أنشطة "الحرس الثوري" في المنطقة. بدوره، قال زير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان، في تصريح للتلفزيون الايراني، إن "سليماني كان يفتخر بلباسه العسكري، لكنه كان دبلوماسياً بارزاً بالمعنى الحقيقي للكلمة".وأضاف أن الشهيد "كان مطّلعاً على فنون الدبلوماسية وماهراً بها وكان يلتزم بأصول الدبلوماسية والآداب الإسلامية بدقة"، وقال كذلك إنه كان "موجوداً في جميع الساحات يداً على الزناد ويداً على القلم وكان يوظف معطيات المفاوضات في التقدم بالساحات".وأكّد وزير الخارجية الإيرانية أنه "لم يكن لسليماني مسؤولية مباشرة في المفاوضات، لكن لا يمكن فصل ملف الساحات العسكرية عن المفاوضات"، وأنه "كان ينصح المفاوضين بأخذ الحذر وعدم الثقة بالأعداء، وأن يكونوا منطقيين منسمجين لتوظيف الإنجازات العسكرية في طاولة الحوار بما يحقق مصالح الشعب".من ناحيته، نشر وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، صوراً تجمعه بسليماني وعلق: "قبل عامين فقدت صديقاً بينما فقدت إيران بطلاً، وفقد العالم بطلاً يحارب الإرهاب".واعتبر ظريف أن "العالم بحاجة إلى مقاتلين شجعان مثل سليماني، وليس دعاة حرب جبناء مثل ترامب ونتنياهو وشركائهما".
دوليات
صراع الأجنحة بإيران يفرض نفسه في «فيينا 8»
04-01-2022