كلما توافرت ضمانات للناس لأن يعبروا عن رأيهم المسؤول بحرية دل ذلك على استقرار المجتمع وتوازنه وانسجامه، حيث يعبر الناس عن أفكارهم واتجاهاتهم دون خوف أو وجل أو ضغط حكومي كان أو غير حكومي.وغالباً ما يرتبط عندنا تقليص حرية التعبير مع الجدب السياسي، فكلما زادت السلطة المطلقة ازداد معها التضييق على الحريات. فعند تعليق الدستور وحل المجلس سنة 1976، تم تغيير قانون المطبوعات، بالمادة 35 مكرر، ومنح الحكومة صلاحية التعطيل الإداري، فتم إغلاق صحف لمدد مختلفة. وفي الحل الثاني سنة 1986 زادت جرعة التضييق وصارت أكثر شدة، بإيجاد رقيب حكومي لكل صحيفة، فصارت الحكومة مسؤولة عما ينشر وما لا ينشر.
كان ذلك في زمن لا إنترنت فيه و لا "تواصل"، أما بعد حقبة 2011 فصدرت ترسانة قوانين تتيح ملاحقة أصحاب الرأي سياسياً أو غير سياسي.فكان أن استمرأت السلطة ذلك لتلاحق حتى الآراء الفنية للمتخصصين، وتعتبرها جرائم أمن دولة. متوجسة أوهاماً لا وجود لها، مدعية أن الرأي الفني يسبب الهلع بين أفراد المجتمع، بينما يكون الرأي ناصحاً لا فاضحاً، ولكن أين لسلطة بهذا التوصيف للهيمنة أن تستوعب الناصح من المحرض؟تلك هي بتلخيص حالة د. صفاء زمان، الأستاذة الجامعية، المتخصصة بأمن المعلومات، ورئيسة جمعية تحمل ذات الاسم، حيث أوضحت أن الاحتفاظ بمعلومات حساسة، في المنظومة السحابية مضر بأمن الكويت المعلوماتي. وبدلاً من أن تتواصل الحكومة وجهازها بالدكتورة للاستزادة في تجنب الإضرار بأمن الكويت المعلوماتي، اتهمتها بارتكابها جريمة أمن دولة، وتعاملت معها تعاملاً تحريضياً غير لائق.في زمن غير هذا الزمن المجدب، فإن الحكومة يفترض أن تسحب القضية وتعتذر عن فعلتها المستنكرة. إلا أنها وجهت رسالة لكل باحث بألا يتحدث في تخصصه طالما أن ذلك التصريح يزعج هذا المسؤول أو ذاك. ليتحول الباحث الأكاديمي المختص بسبب رغبة مسؤول إلى متهم أمن دولة.وحسناً فعلت أكثر من 23 جمعية عام باستنكارها للموقف الحكومي، كما أحسنت جمعية أعضاء هيئة التدريس بالجامعة في تضامنها مع الدكتورة.أما الحكومة فمازالت غارقة في خطيئة تحريك دعوى قضائية لاختصاصية كانت ناصحة للحفاظ على الأمن الوطني، فإذا بالحكومة تصنفها كمتهمة بالإخلال بالأمن ذاته.لا يبدو أن الأمور تغيرت، عن سابق عهدها، وسنحسن الظن فقط في حالة سحب الحكومة الدعوى وإغلاق الملف.
أخر كلام
زمان بلا صفاء
05-01-2022