إعادة ترتيب المعارضة
نحن بحاجة جادة وملحة وصادقة إلى إعادة قراءة أوراق المعارضة وترتيبها، فقد أضاعنا مسلك غير حميد، تمثل في المجاملة أحياناً، أو بالتغافل أحياناً ثانية، وبالتحالفات المشبوهة أحياناً ثالثة، أو بتفريط متعمد أحياناً أخرى، أو بانتظار انفراجة وهمية لملفات فيها منفعة شخصية. وانعكس كل ذلك بشكل مرعب على المسار العام للإصلاح ومواجهة الفساد بالوطن، فالمعارضة في مجلس الأمة وخارجه، لم تلعب الدور المرتقب منها بشكل عام، رغم معظم النوايا الصادقة، لكنها بلا مشروع ولا منهجية، بل تعيش التجريب المستمر والسطحية المفرطة منذ ثلاثة عقود، وحالة التشتت المتلاحق، وزادها بعض الملتحفين بها أخيراً تشتتاً وفرقة. وفي دهاليز المعارضة، التي تمكنت، خلال فترات ليست بالقليلة، من أن تمتلك أغلبية لها داخل مجلس الأمة، تدهشك الإنجازات الهشة التي حققتها أو تحققها في أغلب الأحيان، والمتمثلة في عرقلة مشروع معين من مشاريع البلد بسبب قضايا ثانوية أو رقابة غير جدية، بل وربما مساومات سياسية، إذ حتى الاستجوابات كانت توظَّف لبطولات وهمية أو استعراضات فردية ولا عزاء للإصلاح.
فلم تنجح المعارضة في تقديم البديل لمعالجة اقتصاد المصدر الواحد، ولا في توظيف مبدع للميزانيات المليارية التي يقرها المجلس بصورة ارتجالية، ولم تركز المعارضة يوماً على التوافق المنطقي على قانون أو إجراءات تشريعية أو سياسية لحل مشكلة من المشكلات المزمنة في البلد، مثل التعليم أو الرعاية الصحية أو التوظيف أو الإسكان أو ترهل النظام الإداري المنغمس في وحل الفساد بالتعيينات والترقيات والواسطة وتولي المناصب، والبيروقراطية الفاشلة، ولم تطور القضاء، ولا حتى اللائحة الداخلية للمجلس، اللهم إلا ردات فعل مخجلة انعكست في تعديلات ثانوية، بل غُيِّب مجلس الأمة عن الوجود بجلسات ليست أسبوعية. لكن المعارضة قد أظهرت آليات فعالة ومبتكرة في دور الانعقاد الماضي وفرضت تحولات مهمة، فرضت تأثيراً مهماً تم إجهاضه بصفقات وتبادل للأدوار مشبوه. ورغم أنها في دور الانعقاد الماضي جعلت الحكومة بلا غطاء ورئاسة المجلس عاجزة عن إخفاء تجاوزاتها على الدستور وانتهاك اللائحة ومسلمات العمل البرلماني، كان لا بد من ظهور الانحراف السياسي والبرلماني جلياً. وها نحن اليوم نعود إلى المربع الأول، بسبب التحالفات المثيرة الجديدة فلم يتغير النهج السياسي في عمل الحكومة أو المجلس، وما زلنا نعاني حتى اليوم من إخفاقها في ذلك، فهي لم تنجح في أن تغير نهج تشكيل الحكومة، ولم تحسم مدة تشكيلها بأسبوعين خلال الفصل التشريعي، ولم تتمكن من إلزامها بالتقيد بالمادة ٩٨ بشأن برنامج عمل الحكومة، ولم تنجح في فرض الحكومة البرلمانية، باستثناء تجربة ناقصة وطارئة ويتيمة في مجلس 1992 ، وحكومة مشوهة أُطلِق عليها جوراً برلمانية ولدت مؤخراً من رحم صفقات سياسية مؤذية للبلد. ولم تحاسب عضواً على اشتراكه في الانتخابات الفرعية رغم أنها سعت لتحريمها، ولم تحاسب أو تطالب بتطهير كشوف الناخبين، بل كان بعض زعاماتها من أبطال النقل، ولم تتم محاسبة أي نائب على شراء أصوات الناخبين، بل كان بعض أعضائها يشتري رضاء الناخبين بالخدمات، ويبيع صوته في أقرب مزاد، وهي ممارسة فاسدة بكل المقاييس، ولم ينجح المعارضون في تعديل نزاهة النظام الانتخابي من حيث نظام التصويت إلا بمباركة حكومية، والقادم أسوأ، فضلاً عن الفشل في التقسيم العادل للدوائر.وانشغلت بمناوشات سياسية غير مجدية أو صناعة الأمجاد الشخصية عبر خطابات رنانة ودغدغة مشاعر الناس، أو عبر تحالفات لبعض أطرافها مع رموز الفساد ما لبثوا أن انضموا لمعسكرها، حتى وصلنا إلى مرحلة ظهور الفساد البيني بين نواب الحظوة ونواب السمسرة.إن مسؤولية الشخصيات المعارضة المعتبرة من النواب وغيرهم هي التخلص من حالة الانفعال ورد الفعل، فيما بينها لأن ذلك لا يليق بها.وهم بانفعالهم الشخصاني وجهوا سهامهم باتجاه خاطئ، والتي يجب أن تتوحد باتجاه المفسدين وحلفائهم، بما في ذلك أقطاب برلمانية وسياسية تدير الفساد وترعاه، ولعل الأمر الجلل تمثل في انتهاكات متتالية للدستور لإفراغه، وشل اختصاصات مجلس الأمة لنخره وإعاقته، ثم استكمال هدم المؤسسات، مما يستوجب فزعة وتوحداً حتمياً للقوى والشخصيات المعارضة المعتبرة، قبل فوات الآوان، فالكويت أهم من الأشخاص والمجاملات.