نصرالله يجر لبنان إلى أزمة جديدة مع الخليج بحسابات انتخابية
على وقع المراوحة في مفاوضات «فيينا» النووية والخطوات العسكرية المتقدمة التي يحققها التحالف العربي في اليمن، افتتح الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله، أزمة جديدة مع دول الخليج، آخذاً معه لبنان برمّته إلى هذا الصراع.وبتصعيده ضد السعودية، في كلمة له أمس الأول، نقل نصرالله الأزمة في لبنان من مكان إلى آخر أخطر بكثير، ليضع البلاد برمّتها على فالق خطير سينعكس على الواقع اللبناني إما بالمزيد من الانفجارات الاجتماعية والمالية والاقتصادية وإما بتسرب السخونة العسكرية في المنطقة، ليصبح لبنان ساحة تصفية حسابات إقليمية.ما أراده نصرالله هو تكريس «الغربة اللبنانية» عن دول الخليج، لذلك تعمّد شن هجوم عنيف واستفزازي، وكأنه يريد تكريس التصعيد ليبقى متفرداً بالساحة اللبنانية وتثبيت نفسه مقرراً سياسياً في المسارات الاستراتيجية للبلد، خصوصاً أن كلامه جاء غداة تسريب أنباء عن زيارات خليجية محتملة إلى بيروت، وبعد مساعٍ وجهود لفرنسا وغيرها لترتيب العلاقات اللبنانية ـ الخليجية وتخفيض التصعيد، كذلك عقب خطاب حليفه جبران باسيل الذي حاول النأي بنفسه عن مواقف حزب الله من دول الخليج.
موقف نصرالله يمثل تحدياً سيفرض نفسه على القوى السياسية الأخرى وعلى مؤسسات الدولة، وسيترجم تجذراً للانقسام العمودي، بين من يؤيد حزب الله، في مقابل من يؤيد دول الخليج ويسعى إلى تحسين العلاقات معها ومع المجتمع الدولي. لذلك جاء الرد سريعاً على لسان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي نسّق موقفه مع الفرنسيين والأميركيين، ونال بيانه، الذي انتقد فيه نصرالله مباشرة، موافقة باريس، وهذا تطور لا بد من أخذه في الحسبان لبنانياً، خصوصاً بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية وإصدار موقف مشترك يحمل مسؤولية الانهيارات اللبنانية لحزب الله. كما ردّ رئيس الجمهورية ميشال عون مباشرة على كلام نصرالله مؤكداً حرص لبنان على العلاقات الجيدة مع دول الخليج، والحفاظ على المصالح المشتركة مع دوله. لكن موقفي الرئيسين عون وميقاتي والردود على نصرالله من شخصيات وقوى سياسية مختلفة، أبرزها زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري، تبقى في الإطار السياسي العام غير القادر على التغيير في مسارات الأمور الفعلية على الأرض، مع سيطرة حزب الله على القرار السياسي اللبناني وتعطيله المستمر للحكومة. وكان لافتاً أن يشن نواب «حزب الله» حملة لاذعة ضد ميقاتي، وصلت إلى حد قول النائب عن الحزب إبراهيم الموسوي، إن كلام رئيس الحكومة «المتملق» يلزمه وحده، إلا أن مصادر استبعدت أن يكون الحزب قد قرر التخلي كلياً عن ميقاتي. لن يتوقف تصعيد نصرالله عند هذه الحدود، وحتماً ستكون له آثار سياسية بعيدة المدى، خصوصاً أن الموقف يقول بوضوح، إنه ولو عادت المفاوضات بين السعودية وإيران، فإن ذلك لا يعني أن حزب الله سيكون ملتزماً بأي تهدئة، بل سيستمر بسياساته التي تستهدف دول الخليج سياسياً وعسكرياً انطلاقاً من اليمن. وفي خطابه لم يشأ نصرالله الدخول في تفاصيل الملفات اللبنانية، وحاول تجنب السجال المستعر بين حليفيه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وذهب بالمعركة إلى أوسع من ذلك، في تكتيك سيفرض على حلفائه إما الوقوف بجانبه أو الانفضاض عنه، لكن الأكيد أن توقيت التصعيد يرتبط بحسابات داخلية لبنانية على مسافة أشهر من الانتخابات النيابية، وهنا يجد الحزب نفسه أمام حاجة ماسة لاختراع عدو جديد لأجل تحشيد العصب الطائفي لدى بيئته، من خلال تخويفهم وإشعارهم بأنهم في حالة حرب مستمرة، لكن هذه المرة ستكون عواقب المعركة وخيمة على لبنان برمّته.