في فمي ماء... حرفياً
كعادتها كل سنة أمطار الخير غيث إلهي يستبشر به القاصي والداني، ويفرح بها كائن من كان حول العالم، طبعاً هذا كله صحيح وواقع إلا في الكويت فيتحول الأمر إلى مشهد مرعب ومآس متكررة بين كل أطياف المجتمع وعلى مناطق متفرقة، فقد مرت على الكويت أمطار لا يمكن وصفها إلا بـ(الخفيفة)، ولكن في واقع حالنا الكويتي التعيس هي وصفة من وصفات أمنا (الطبيعة) لدمار شامل ومأساة متكررة كالعادة، وفي كل موسم ممطر وكل عام. يوم الأحد الماضي الموافق ٢ يناير كان هو اليوم المعهود والمنشود، الذي شهده العالم بأسره وجعل من بنيتنا التحتية (طماشة) ومهزلة أمام الناس، فقد نزلت أمطار بسيطة ولساعات محدودة فقط لتكشف لنا أننا غارقون وسط شوارعنا، والأهم أننا غارقون في الفساد ولسنين طوال، نظراً لتهالك البنية التحتية وعدم قدرتها على استيعاب منسوب المياه، وطبعاً وكالعادة كان جسر الغزالي (والمناطق المحيطة به) الضحية الأولى لفساد السنين وآلام المتضررين.لكن هذه المؤشرات والأضرار المادية الحاصلة، وكعادتها في كل سنة، لا تدل إلا على عجز حقيقي في إدارة الدولة، والمسؤول الأول والأخير هو رئيس الوزراء وقياديو الدولة، والمضحك المبكي هو أنه منذ أيام معدودة كان أولئك القياديون هم أنفسهم من يطمئنون الشعب بأننا على أهبة الاستعداد لمواجهة الأمطار الموسمية!!
بيوت غرقت وسيارات ابتلعتها المياه، وأنا شخصيا نفذت بجلدي من شباك سيارتي في منطقة الشويخ، بعدما حوصرت من كل اتجاه بالمياه، ولولا العناية الإلهية لكنت قد غرقت ومت ميتة بطيئة (جداً) داخل سيارتي الشخصية التي كانت تدخل المياه في كابينتها بشكل مخيف!! عموما سلمت أنا بروحي وبدني ولله الحمد، ويبقى السؤال الآن: من يتحمل هذه الأضرار؟! ومن المسؤول عن هذا كله؟! المسؤولية تقع على عاتق رئيس الحكومة كون المهام والمسؤوليات متشعبة ومتداخلة في عدد من الجهات المهمة في الدولة، وعلى عاتق وزيرة الأشغال السابقة التي كانت تجتهد جداً جداً في وضع صورها إبان فترات الحظر الخاصة بتفشي فيروس كورونا على الصفحات الأولى من الصحف المحلية أثناء صيانة الطرق. طبعاً اتضح أن هذا كله عمل لا فائدة منه ولا داعي له، واحتمال وارد أن يكون أيضاً هدرا للميزانية والمال العام، فمن سيعوض المتضررين لا سيما أن شركات التأمين تتنصل من مسؤولياتها والدولة من خلال إعلامها الرسمي تبث أخباراً فحواها أننا (اجتزنا اختبار الأمطار بنجاح) وأننا (نشاهد مقاطع فيديو قديمة على منصات التواصل الاجتماعي)؟! الحمدلله أن الناس وثقت البلاوي الحاصلة وأن هناك إعلاماً في (القطاع الخاص) شريفاً وصحفاً محلية مهنية وثقت المهازل في الشوارع والطرق، والآن وكالعادة في كل سنة ننتظر موسم (تكسير زجاج السيارة الأمامي) من بعد تطاير الحصى جراء سيول المياه. نحن- الشعب الكويتي- نستحق أفضل من هذا الواقع الأليم، وعلى الحكومة ورئيسها تحمل المسؤولية كذلك بكل شجاعة، أو أن يطلبوا إعفاءهم من مناصبهم التي تجعلهم لا يحسون ولا يستشعرون معاناة المواطن الذي اقترض لشراء سيارة أو تأثيث منزل أو زرع حديقة بسيطة أمام منزله وقد تضرر من فساد السنين. لدي الكثير من الكلام الذي أتمنى أن أستطيع أن أختم به هذا المقال، لكن ما زال "في فمي ماء" من شوارع الدولة التي كادت تهلكني.