يقال إن الكتاب وطن آخر نعيش بين صفحاته رحلة غير مسبوقة، تحملنا إلى عالَم من الأفكار والمعارف بروحية كاتبها وفكره... وليس أفضل من سفراء دول العالم ليخبرونا، من خلال ما راكموه من ثقافة وما قرأوه من كتب، عن أدباء وثقافة بلدانهم، وبلدانٍ أخرى شكلت موطناً رديفاً لهم، خلال حياتهم الدبلوماسية ومهامهم في العالم وقاراته.«سفير وكتاب»، باب جديد تفتحه «الجريدة»، أمام سفراء معتمدين في الكويت، ليحدثونا عن كتب قرأوها لأدباء وكتّاب من مواطنيهم ومن جنسيات مختلفة، تركت أثراً في نفوسهم، وشكّل بعضها نواة لفكرهم السياسي وثقافاتهم المتراكمة والغنية بثقافات مجتمعات عايشوها وتعايشوا في كنفها.
لقاءات نبحر من خلالها في رحلات ثقافية أدبية حول العالم، كل واحدة منها مع أحد السفراء لدى البلاد، لننهل من الكتب التي قرأوها فضاءات ثقافية جديدة، ونغوص في زواياها وحروفها وأثرها في تكوين رؤاهم السياسية والاجتماعية والعلمية والأدبية.
• كيف تصف لنا علاقتك بعالم الكتاب؟
- علاقتي مع عالم الكتب هي «علاقة حب» حقيقية طويلة الأمد. وهذا منذ سنوات شبابي. ويمكنني تقسيم فترات مختلفة من حياتي وفقًا لاهتماماتي الشخصية أو المؤلفين أو «النوع الأدبي». ولا أستطيع تخيّل حياتي من دون كتب، لأنني اعتدت دائما قضاء ساعات طويلة بالمكتبات في عطلة نهاية الأسبوع لاكتشاف الكتب والإصدارات الجديدة والقديمة.في روما، وميلانو، وباريس، وبروكسل، وواشنطن، ونيويورك، وطهران... في جميع الأماكن التي عشت فيها، لديّ مكان من مكانين خاصين: مقرّ إقامتي والمكتبات.إلا أنه مع الأسف، وبسبب وباء «كورونا» المستجد، لم يسمح لي الوقت بإنشاء مثل هذه العلاقة في الكويت من خلال زيارة المكتبات، مثلما كنت أفعل في دول عدة قبل الجائحة.شغف «الورقي»
• أيهما الأقرب إليك؛ النسخة الورقية أم الإلكترونية؟
- يؤسفني أن أقول بكل صراحة، إنني لم أقرأ أي نسخة إلكترونية من الكتب مطلقًا. وجهاز القراءة الإلكتروني الوحيد الذي حصلت عليه كان هدية منذ سنوات، إلا أنني عرضته على شخص آخر بعد ساعات قليلة من تسلّمه.في المقابل، فإن الكتب تتحدث إليك، تتحدّث مع الجميع، لم أستطع أن أتخيل قراءتها إلكترونيًا. قد تكون النسخة الإلكترونية عملية، لكنّها بالتأكيد ستحرمك من متعة الإحساس بتمرير صفحات الكتاب بين أصابعك أثناء القراءة. ثم يمكنك أن تعود إلى هذه الكتب من حين لآخر لتحملها بين يديك من خلال هذا الدرع الجميل (الغلاف) الذي يستضيفها في داخله.وفور دخوله إلى منزلك، فإن الكتاب يصبح جزءاً من عائلتك، وضيفاً دائماً. وبما أنه ليس من الضروري أن تحب كل شخص يدخل منزلك، فكذلك الأمر بالنسبة للكتاب، إذ بالإمكان ألا يعجبك بعد قراءته، ولكن لا يمكنك إلا أن تحترمه.• ما هو الكتاب الذي تعود اليه كل فترة لتقرأه من جديد، وما الذي يعجبك فيه؟
- لننتقل إلى بعض فصول حياتي كقارئ. فخلال طفولتي بين سن 8 و10 سنوات، كنت على سبيل مثال أقرأ للكاتب الإيطالي إيميليو سالغاري، وهو روائي مغامرات وخيال علمي، وهو شهير برواياته عن «المُتعنترين»، وهم الأبطال النبلاء في أدب المغامرة الأوروبي، و«المتعنتر» هو الفارس المثالي المتمرّد الذي يتميز بالشجاعة والشهامة والمهارة في استخدام السيف، وهذه الروايات كانت تحملني إلى عالَم الأحلام.انتقلت بعد ذلك إلى كتاب تاريخي عن حقبة إيطالية محددة في الفترة التي تلت ذلك. كتب مثل «سجني» من تأليف سيلفيو بيلليتسيو، وهو كتاب عن مواطن إيطالي خلال حركة الاستقلال الإيطالية، كما قرأت عن تاريخ روما للصحافي والمؤرخ والكاتب ايندرو مونتانيللي.ثم بعد 16 عامًا، وبالتوازي مع الواجبات في المدرسة، جاءت فترة اهتمام المؤلفين الإيطاليين المعاصرين؛ سيزار بافيز الذي يتربّع على قائمة المؤلفين الآخرين بالنسبة إليّ، وإيتالو سفيفو، ودينو بوزاتي، ولويجي بيرانديللو، وألبرتو مورافيا، وجوزيبي توماسي دي لامبيدوزا. واسمح لي أن أشير إلى المؤلفين الأول والأخير: بافيز كتابه «القمر والنيران» ولامبيدوزا مع «النمر». الأول، قصة العودة إلى الوطن بعد سنوات، حيث تغيّر السكان تغيراً عميقاً مع مرور الوقت. والرواية الثانية، هي قصة أرستقراطية جميلة تدور أحداثها في جزيرة صقلية خلال فترة مواجهة الاضطرابات السياسية بإيطاليا في ستينيات القرن التاسع عشر.وعندما أصبحت في سنّ الـ 22 عاماً، بدأ اهتمامي بتاريخ العلاقات الدولية، مع الإشارة أيضًا إلى دراستي لدخول المهنة الدبلوماسية. كان ذلك على وجه الخصوص فترة «التاريخ الجديد الفرنسي»، كما أطلق على هذه الحركة جاك لوغوف وبيار نورا. وفي مجال العلاقات الدولية، كنت من أشد المؤيدين لبيار رينوفين وجاك دروز. تبع نهجهم أيضًا الإيطالي كارلو سيبولا، الذي بدأت في قراءته والإعجاب به في تلك الفترة.بعد أن بدأت مسيرتي الدبلوماسية في الخامسة والعشرين من عمري، جاءت فترة «المؤلفين الروس»؛ تولستوي، ودوستويفسكي، وغوغول، وتشيكوف، وهذه القراءات بالنسبة لي هي الشغف الحقيقي.في سن الثلاثين، جاءت فترة «الثلاثية» لروائع الكُتّاب المعاصرين؛ مارسيل بروست مع كتابه «البحث عن الوقت الضائع»، والكاتب الأيرلندي جيمس جويس وروايته «يوليسيس» أو «عوليس»، وأخيراً رواية «رجل بلا صفات» للكاتب النمساوي روبرت موزيل.ويمكنني الاستمرار في تعداد المؤلفين وكتبهم إلى الغد.• يقال إن الكتاب هو أقرب الأصدقاء؟ ما رأيك في هذه المقولة؟
- سأخبرك عن الشعور بفترتي الأخيرة، وتحديداَ وقت «كورونا». صحيح أنها لحظة صعبة للغاية بالنسبة إلينا جميعاً، لكن عليّ أن أخبرك أن الكتب جاءت لمساعدتي مثلما يفعل الأصدقاء الحقيقيون عندما تحتاج إليهم. ففي كل مساء خلال الستة عشر شهرا الماضية، كنت أقضي من ساعتين إلى 3 ساعات من وقتي بصحبتهم الرائعة، وهي فترة من المساء الطويل في المنزل، كنت أقرأ فقط خلالها. وهذا هو التوقيت الليلي كان مناسباً لي للعودة إلى القراءات القديمة - وأكثر من قراءة واحدة في بعض الأحيان - لإعادة اكتشاف المشاعر التي لا تساوي بالضرورة المرة الأولى التي قرأتها فيها.وهذا هو السبب في أن القراءة رحلة حقيقية لا تنتهي.• إذا أردت أن تكتب عن الكويت، ماذا تقول فيها؟ أو ما الذي يسترعي انتباهك فيها؟
- في الوقت الحالي، أركز اهتمامي بشدة على القراءة عن الكويت بعد الحرب العالمية الثانية، وتطورها السريع والناجح على مدار تلك العقود المثيرة للاهتمام. وأنا أحب الكتابة عن مدى أهمية الإحساس بالتقاليد بالنسبة للكويت وكم تستثمر الدولة الآن في المحافظة على تراثها على قيد الحياة.