بقايا خيال: المسكنات تأجيل لعلاج أم أداة جريمة؟
يبدو أن استخدام بعض الأطباء لأدوية مسكنة لآلام كثير من الأمراض، صار أسلوباً لتخدير موضع الألم ومن ثم الادعاء بأنه علاج دائم، وهذا ما حصل مع بعض المعارف والأصدقاء الذين عولجوا ثم عادت الآلام نفسها إلى أجسادهم بعد بضعة شهور من تلقي العلاج، وهو بالضبط ما حصل معي في ظروف مختلفة، فقد كنت أشكو من آلام مبرحة في الركبة لدرجة أنني لم أكن أقدر على النوم بشكل متواصل، ظننت أنه كان بسبب بلوغي منتصف الستينيات آنذاك، أو لقلة ممارستي رياضة المشي، وقد تكون عوامل وراثية، لا أدري. مشكلتنا كمرضى شرقيين تكمن في أننا لا نحتفظ بسجلات طبية أو ملف لتاريخنا الصحي، فنضطر إلى سرد تاريخنا الصحي في كل مرة نزور طبيباً لكي يشخص العلة بدقة ويقدم لنا العلاج المناسب، وفي الوقت الذي يجهل الكثيرون أهمية السجلات الطبية، نجد أن هناك من الأطباء من لا يكون من ذوي الكفاءة أو الخبرة العالية، أو أنه من فئة المعالجين التجاريين، فلا يكترث بمعرفة تفاصيل ما يعانيه بعض مرضاهم. لقد ساقني القدر إلى أحد الأطباء المتخصصين في جراحة الركبة، وشرحت له بالتفصيل حالتي الصحية، قائلاً إنني لا أتعاطى المسكنات لأنها تؤثر سلباً على وظائف كليتي، طبقاً لتشخيص أحد الأطباء، ولأنها تؤجل العلاج أو حل المشكلة، وكأنها وسيلة لخداع بعض وظائف الجسم، فتكون عواقبها وخيمة على المريض بمرور الوقت، وبعد أن طلب مني الطبيب عمل فحوصات مخبرية ومنظار وغيرها أخبرني أنه سيلجأ إلى وصف أدوية يجب تناولها لشهرين كاملين للقضاء على آلام الركبة إلى الأبد، وإلا فإن البديل سيكون بإجراء عملية جراحية لتركيب ركبة صناعية، فحملت كيساً مليئا بالأدوية لتناولها خلال الشهرين المقبلين وانتظار النتيجة، وكأنني فأر تجارب، وتوجهت إلى البيت حيث بدأت بقراءة التعليمات المرفقة بكل علبة دواء، فإذا بثلاثة أنواع منها عبارة عن مسكنات (Pain Killer).
حقيقة استغربت من هذه الوصفات الدوائية ومن طبيب شرحت له بكل وضوح حالتي الصحية وسبب امتناعي عن تناول المسكنات بكل أنواعها حفاظاً على ما تبقى لي من وظائف للكلية، فلم أتردد بالاتصال بالطبيب، وقلت له: يا دكتور هذه الأدوية التي وصفتها لي أغلبها عبارة عن مسكنات!! فأجاب: ومالو؟ فرددت بشيء من السخرية على تساؤله السخيف: «ومالو؟؟ أنا شرحت لك أنني ممنوع من أن أتناول أي مسكنات لكي أحافظ على وظائف الكلية فتعطيني مسكنات لعلاج الركبة؟ فرد علي بجواب أكثر سخافة من جوابه السابق وقال: خلاص ما تاخدوش، فأنهيت المكالمة فوراً. هذا الرد الغريب استوقفني كثيراً، فكيف بطبيب استشاري متخصص يشرح له المريض عن حالته لتلقي العلاج المناسب، فيصف له دواء قد يؤدي إلى فشل كلوي، حتى لو أدى إلى علاج آلام الركبة؟ الأكثر غرابة أنه كتب لي ثلاثة أنواع من المسكنات، وكأنه يحاول أن يخفف من آلام الركبة بأي طريقة لمدة شهرين لأعود إلى الشكوى من آلام الركبة، فيقرر بعدها هذا الطبيب إجراء عملية جراحية، وفي الحالتين رأيتها جريمة من جرائم الأخطاء الطبية، فلا هو عالج الركبة بتلك الأدوية، ولا هو حافظ على كليتي من كثرة الأدوية، للأسف يبدو أن مسألة علاج الأمراض أو الآلام بالمسكنات صارت ديدن بعض الأطباء الذين يركضون وراء التربح السريع حتى لو كان على حساب المرضى الذين يجهلون الأخطاء الطبية المميتة غالباً.