أولاً وأخيراً: ضوء في نفق الأشغال
قبل ثلاث سنوات شهدت الكويت "كارثة الأمطار" التي أغرقت الشوارع والأنفاق وأظهرت هشاشة وخراب البنية التحتية للكثير من المناطق والتي قامت على ضوئها وزيرة الأشغال في حينها الدكتورة رنا الفارس بتشكيل لجنة تحقيق أوصت بإيقاف عدد من الشركات والمكاتب الاستشارية عن العمل ووعدت الوزيرة بحل هذه المشكلة وإعادة الأمور لنصابها الصحيح وأنها ستستغل فترات الحظر الكلي والجزئي التي فرضت لمواجهة كورونا لمضاعفة الأعمال وإنهاء هذه الأزمة، ولكن هذا لم يتحقق، وكشفت الأمطار التي تشهدها البلاد في الفترة الحالية عن استمرار تدهور البنية التحتية وسوء حالة الطرق، وأن كل ما قيل وتم على أرض الواقع "هباء منثور" وضياع للمال والوقت. لقد تكررت المشاهد نفسها التي شهدتها الكويت في عام ٢٠١٩ وربما بشكل أسوأ، حيث تسببت الأمطار في إغلاق الأنفاق والجسور والشوارع وتعطيل حركة المرور وتأجيل الدراسة وتوقف معظم مظاهر الحياة، وتم الطلب من المواطنين والمقيمين عدم الخروج من منازلهم حتى تتمكن الأجهزة المعنية من التعامل مع "كارثة الأمطار الجديدة" الأمر الذي تسبب في حدوث حالة من السخط والتذمر في الشارع، وتعالت المطالبات بضرورة محاسبة المسؤولين عن هذا الفساد، حيث إنهم أهدروا الملايين وتسببوا في تشويه صورة الكويت أمام العالم، والتي تظهر وكأنها تغرق في المياه كل عام رغم أنها تملك إمكانات مالية وبشرية كبيرة تمكنها من حل هذه المشكلة، ولكنها تعاني الإهمال وسوء الإدارة وعدم الشعور بالمسؤولية. لقد تبين لنا أن الملايين التي تم رصدها لحل مشكلة الأمطار تم إنفاقها على أكياس الرمال التي تم رصها على بعض الطرق وعدد من البحيرات الصناعية التي جرى حفرها لتخزين المياه رغم أن الوزيرة الفارس كان لديها بدائل أخرى كحلول جذرية وليست حلولاً مؤقتة وغير مجدية، ومنها مشروع "الأنفاق العميقة" الكفيل بإنهاء مشكلة سيول الأمطار بصورة جذرية والمطروح منذ نهاية 2016، وكان يفترض طرح اتفاقيته الاستشارية في أبريل 2017 ولكن تم رفعه من ميزانية السنة المالية 2019- 2020 بسبب عدم تخصيص بند مالي لطرح الاتفاقية الاستشارية التي تبلغ كلفتها التقديرية بحدود 12 مليون دينار، وهناك توجه الآن لإعادته للنور من جديد والبدء بتطبيقه.
ورغم الظلام الدامس الذي يحيط بأزمة الأمطار ووزارة الأشغال فإن هناك ضوءا ظهر في آخر النفق كما يقولون يتمثل بتولي وزير جديد للأشغال هو علي الموسى الذي تعقد عليه الآمال في أن يعاقب كل مسؤول مقصر في عمله، ويشعرنا أن زمن التراخي ولّى، وأن اليوم زمن العمل الجاد ولا مجال للتهاون مع المتخاذلين وأكلة المال الحرام خصوصاً أنه لم يحاسَب أحد طوال عامين في عهد الوزيرة الفارس، بل إن بعض من تمت إدانتهم أو تحويلهم للنيابة جرت ترقيتهم وإسناد مهام قيادية لهم... نتمنى أن تكون الفترة المقبلة فترة العقاب والإصلاح الحقيقي.