وصل الرحالة الأربعة إلى دمشق الجميلة على متن حافلة، وبحثوا عن بيت للشباب، فأرشدهم أحد السوريين إلى مكانه فوجدوه مغلقاً، فدعاهم السوري الشهم إلى الاستراحة في بيته. يقول سليمان الزايد: "وصلنا إلى بيت الرجل، وإذا ببناية مكونة من عدة طوابق لا تتجاوز الأربعة، صعدنا معه إلى سطح البناية، وأخبرنا أن هذا منزله، وهو عبارة عن غرفة بها مطبخ صغير وبجوارها حمام صغير".
فوجئ الرحالة الكويتيون بكرم هذا السوري الفقير الذي نقل زوجته وأولاده إلى أحد جيرانه، وترك بيته الصغير تحت تصرُّف الشباب، بل إنه ذهب ثم عاد بعد فترة قصيرة ومعه أنواع من الطعام وقدّمها لسليمان وأصدقائه الثلاثة. وتناقش الشباب في هذا الأمر، يقول سليمان "الغريب في الأمر أن الرجل يبدو عليه الفقر وكذلك بيته وأسرته، ونظن أنه أنفق كل ما يملك لاستقبالنا، كنا أربعة شباب، ولسنا واحداً أو اثنين، فقررنا أن نعطيه بعض النقود عند مغادرتنا".هذا كان الاتفاق بينهم، لكنهم فوجئوا جداً، بعد ساعات طويلة من الجلوس في بيت السوري، عندما قدّموا له بعض المال، فما كان منه إلا أن غضب غضباً شديداً، وقال: "إننا أشقاء عرب، ويجب ألا نفكر في هذه الأمور بيننا على هذا النحو، وإننا نقوم بإهانته بما نفعله، ثم بكى".يقول سليمان: "صمتنا جميعاً وحاولنا تدارُك الموقف، ولكن الرجل تركنا وذهب، فلحقنا به، وحاولنا التسامح منه".وهنا أخبرهم السوري الشهم أنهم إذا كانوا يريدون منه أن ينسى ما حدث من إهانة له، فعليهم أن يرسلوا إليه نسخة من الصور التي التقطوها معه لتكون له ذكرى جميلة معهم. انتقل الرحالة الكويتيون إلى بيت الشباب، وقضوا عدة أيام في دمشق، والتقطوا صوراً كثيرة لتجوالهم فيها. ثم زاروا مدن حمص وحماة وحلب، وبعدها قرروا التوجه إلى تركيا باستخدام قطار الشرق السريع الذي يسير بواسطة اشتعال الفحم.وفي القطار، يقول سليمان، تعرّفوا على رجل اسمه سامي، ساعدهم في نقل أمتعتهم إلى القطار، وتقرّب كثيراً من محمود النبهان، لكنّه كان يضمر لهم سوءاً. طلب سامي من الكشافة أن يحمل كل شخص منهم علبة صغيرة واحدة قال إنها تحوي قهوة (نسكافيه)، لأن القانون التركي يسمح بإدخال علبة واحدة لكل مسافر، وكان سليمان وأصدقاؤه مترددين في ذلك، إلا أن محمود أقنعهم بقبول ذلك، امتناناً لمساعدة سامي لهم في نقل أمتعتهم. وفعلاً أخذ كل واحد منهم علبة واحدة ووضعها في حقيبته، ومرّ الوقت وجاءت محطة للتفتيش، وعثر المفتشون على العلب وفتحوها، فوجدوا بداخلها أحجاراً صغيرة أو خرزاً أبيض كأنه لؤلؤ، وهي مواد ممنوعة فيما يبدو، فأخبروا المفتش أنها ليست لهم وأن شخصاً اسمه سامي هو الذي أعطاهم إياها على أنها قهوة.وفي هذه الأثناء كان يجلس بجانبهم رجل غريب يلبس نظارة قراءة ويقرأ في جريدة، وشاهد وسمع كل ما دار من حديث بين الشباب والمفتشين، ثم غادر مكانه. وبعد فترة قصيرة، طلب المفتش من الشباب التوجه معه إلى الضابط، وعند دخولهم إلى مكتبه، عرفوا أنه هو الشخص الذي كان يجلس بجانبهم وشاهد ما حدث. أبلغهم الضابط أنه مقتنع بأنهم ليسوا أصحاب العلب الحقيقيين، ونصحهم بعدم الثقة بالآخرين في مثل هذه الأمور، وسمح لهم بالذهاب.
أخر كلام
صورة لها تاريخ : رجل فقير يُخلي بيته الصغير في دمشق عام 1966 ليستضيف الرحالة الكويتيين
07-01-2022