المعركة من أجل اليمين الفرنسي
قبل بضعة أسابيع فقط، بدا الأمر وكأن الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022 مسألة منتهية بالفعل: فسيهزم إيمانويل ماكرون مرة أخرى مارين لوبان من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، وعلى الرغم من حصول لوبان على ثلث الأصوات في 2017 فلن يراهن أي شخص عاقل على فوزها على ماكرون في 2022، ومع ذلك، لا شيء مؤكد في السياسة، ففي ضوء التطورات الجديدة، ستكون الانتخابات ستكون أكثر انفتاحا وتنافسية مما كان متوقعا في البداية.يتمثل أحد العوامل الجديدة في ترشح إريك زمور، النسخة الفرنسية من دونالد ترامب والذي حظى بالاهتمام سابقا بوصفه معلقا تلفزيونيا يعمل في النسخة الفرنسية من فوكس نيوز (CNews)، وزمور قومي مناهض للهجرة، يصر على أن المرء ينبغي أن يكون له الحق في أن يكون عنصريا.ويسعى زمور إلى توحيد ناخبي الطبقة العاملة والمؤسسة المحافظة خلف وعد بخفض الضرائب وإصلاح الخدمة المدنية، لكن طريقته في التنفيذ معيبة إلى حد كبير، على سبيل المثال، خسر زمور على الفور أصوات العديد من الناخبات عندما ألقى بعبارات مثل «النساء هن الهدف والغنيمة لكل رجل موهوب يتطلع إلى الارتقاء في المجتمع».
بعد ذلك، أحرج زمور اليمين التقليدي عندما اقترح أن القائد الفرنسي المتعاون مع العدو في زمن الحرب العالمية الثانية، المارشال فيليب بيتان، سعى في حقيقة الأمر إلى إنقاذ اليهود الفرنسيين بالتضحية باليهود الأجانب، كما زعم أن ضحايا هجوم إرهابي وقع عند مدرسة في تولوز لم يكونوا فرنسيين حقا لأنهم دُفِـنوا في إسرائيل، وفي الاستجابة للغضب الذي أشعلته هذه التصريحات، أَكَّـد زمور على خلفيته بوصفه يهوديا جزائريا عانى والداه من قانون بيتان المناهض لليهود.وكان أداء زومر في استطلاعات الرأي أقل قليلا من 15%، ورغم أن هذا يضعه على قدم المساواة مع لوبان في الجولة الأولى، فإنه يعني في النهاية أنه خسر أي فرصة لانتخابه، والسؤال هنا: من سيفوز بالناخبين الذين تمكن من اجتذابهم، هل يتشبث بقاعدته أو يوجههم لدعم لوبان؟ في السيناريو الأخير، قد ينتهي ترشحه للرئاسة إلى تحصين المرشحة التي ألحق بها أعظم الضرر حتى الآن، لكن كثيرين من أنصاره ربما يجدون طريقهم أيضا إلى اليمين التقليدي، الذي كان يبحث بشغف عن شخصية قادرة على التوفيق بين ناخبي الطبقة العاملة ومصالح النخبة.يشير هذا إلى العامل الكبير الثاني الذي أدى إلى تعقيد السباق، ففي أعقاب انتخابات تمهيدية جيدة التنظيم، وافق حزب الجمهوريين، على ترشيح فاليري بيكريس، الرئيسة الحالية للمجلس الإقليمي في إيل دو فرانس ووزيرة التعليم والميزانية السابقة في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي.هزمت بيكريس منافسها إريك سيوتي بفارق عشرين نقطة، وقبل الانتخابات التمهيدية أوضح سيوتي أنه سيصوت لزمور لا ماكرون لو كان الاختيار بينهما، لكنه منذ ذلك الحين أيد بيكريس، واضعا إياها على رأس تحالف محتمل بين المحافظين التقليديين وجمهور الأنصار اليميني الأكثر راديكالية الذين يمثلهم سيوتي، والآن تُـظـهِـر استطلاعات الرأي أن بيكريس من الممكن أن تنتخب إذا وصلت إلى الجولة الثانية، ولهذا سيتوقف الكثير على ما إذا كان زمور تمكن من إضعاف لوبان بالقدر الكافي في الجولة الأولى لإخراجها من السباق وإرسال بيكريس إلى نهايته. في غضون ذلك، فُـقِـدَ اليسار الفرنسي في المعركة، فبعد انكساره قبل خمس سنوات يبدو أن اليسار يمثل الآن نحو 25% فقط من الناخبين، الذين ينقسم ولاؤهم بين ثلاثة أو أربعة مرشحين نادرا ما يتحدثون مع بعضهم، ومثله مثل اليمين، يواجه اليسار التحدي ذاته المتمثل في استعادة الطبقات العاملة والمتوسطة؛ ولكن على النقيض من اليمين، لم يجد اليسار أي وسيلة معقولة لتحقيق هذه الغاية.لقد ولت الأيام حيث كان العمال الصناعيون يدعمون الحزب الشيوعي، والواقع أن ملامح ناخبي الطبقة العاملة الذين انجذبوا إلى اليمين المتطرف مختلفة تمام الاختلاف، ويعمل معظمهم في بيئات ذات طابع حِـرَفي وهم أقرب من الناحية الاجتماعية إلى رؤساء الشركات الصغيرة لا عمال المصانع بالأمس. فكثيرون منهم يعملون لحسابهم الخاص كعاملين في التمريض أو سائقي شاحنات، مثل الشخصيات الرمزية في حركة السترات الصفراء التي ثارت ضد زيادة ضريبة الوقود التي اقترحها ماكرون في 2018.توصل البحث الذي أجريته شخصيا مع يان ألجان، وإليزابيث بيزلي، ومارتيال فوكو، إلى أن ناخبي لوبان في 2017 كانت معدلات الثقة بينهم أقل من المتوسط، وهذا في بلد حيث الثقة الاجتماعية متدنية للغاية بالفعل، ويقطع انعدام الثقة لدى هؤلاء الناخبين شوطا طويلا نحو تفسير عدائهم للهجرة ومقاومتهم لإعادة التوزيع، التي يـنـظَـر إليها على أنها آلية لدعم «آخرين».كما هي الحال في الولايات المتحدة اليوم، تقود قضايا الهوية الاختيارات السياسية في فرنسا، وطالما بقيت هذه الحال، فستدور رحى المعارك الانتخابية الحاسمة بين أمثال ترامب في هذا العالم ومن يُـثـبِـت أنه قادر على إلحاق الهزيمة بهم، ويتمثل أكبر أصول ماكرون في النظر إليه على أنه درع ضد اليمين المتطرف إلى أن يتقدم شخص آخر للمطالبة بهذه العباءة.*رئيس مجلس مديري كلية باريس للاقتصاد، وأحدث مؤلفاته كتاب «السنوات الشائنة: انهيار النظام الصناعي وصعود المجتمع الرقمي».