تبادلت واشنطن وموسكو الاتهامات حول التطورات في كازاخستان التي شهدت طوال الأسبوع الماضي تظاهرات كبيرة احتجاجاً على رفع أسعار الغاز، تحوّلت الى أعمال عنف راح ضحيتها عشرات القتلى، بعد أن استخدمت قوات الأمن القوة لقمع المحتجين الذين وصفهم الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف، أمس الأول، بأنهم إرهابيون يجب قتلهم.
منازل وتاريخ
وفي مؤتمر صحافي بواشنطن، حذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن القوات الروسية التي انتشرت في كازاخستان بناء على طلب توكاييف، من أي انتهاك لحقوق الإنسان، أو أي محاولة «للسيطرة» على مؤسسات البلاد، مشككاً في خروج هذه القوات بسهولة من هذا البلد الذي يعد أكبر دولة منتجة للنفط في آسيا الوسطى.وعلّق الوزير الأميركي على إرسال موسكو قوات الى كازاخستان في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، قائلا: «يعلّمنا التاريخ أنه عندما يدخل الروس منزلكم فقد يكون من الصعب إجبارهم على المغادرة». وتابع خلال مؤتمر صحافي في واشنطن «يبدو لي أن السلطات والحكومة الكازاخستانية يمكنها بالتأكيد التعامل مع التظاهرات بشكل مناسب، والحفاظ على النظام، مع احترام حقوق المتظاهرين. لذلك لا أفهم بوضوح سبب شعورها بالحاجة إلى دعم خارجي».وردّت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، على تصريحات بلينكن، واعتبرت على حسابها في «تليغرام» أن «وزير الخارجية الأميركي حاول المزاح بشأن المأساة التي تدور في كازاخستان، إلا أنها كانت محاولة فظّة»، مضيفةً أن بلينكن «سخر من ردّ فعل شرعي تمامًا في إطار الاتفاقات الأمنية بين كازاخستان وروسيا».وتابعت زاخاروفا: «إذا كان بلينكن مغرماً جداً بدروس التاريخ، فعليه أن يعرف ما يلي: إذا دخل الأميركيون إلى بيتك، سيصعب عليك البقاء على قيد الحياة وعدم التعرّض للسرقة أو الاغتصاب».وأردفت: «هذا الأمر يعلّمنا إياه، ليس فقط التاريخ الماضي، وإنما السنوات الـ300 الماضية، منذ قيام مؤسسات الدولة الأميركية. ويمكن أن يروي الكثير لنا عن ذلك كل من هنود أميركا الشمالية والكوريون والفيتناميون والعراقيون والبنميون واليوغوسلافيون والليبيون والسوريون، والعديد من الشعوب البائسة التي لم يحالفها الحظ في رؤية هؤلاء الضيوف غير المدعوين في منازلهم».جسر جوي روسي
في غضون ذلك، واصلت 70 طائرة عسكرية روسية، أمس، نقل مزيد من القوات الروسية الى كازاخستان. وقالت موسكو إن هذه القوات باشرت بالفعل تنفيذ المهام الموكلة إليها في «دعم السلطات عبر حماية المباني الاستراتيجية ومساندة الشرطة».وأعلنت السفارة الروسية أن طيران النقل العسكري التابع لوزارة الدفاع الروسية، سيجلي مواطنين روسيين من كازاخستان، في حين سمحت وزارة الخارجية الأميركية للموظفين غير الأساسيين في القنصلية الأميركية بمدينة ألماتي بالمغادرة.مسؤولون «خونة»
واحتجزت السلطات في كازاخستان مدير «لجنة الأمن الوطنية» (كاي إن بي) السابق، كريم ماسيموف، ومسؤولين آخرين بتهمة الخيانة العظمى.وكان ماسيموف (56 عامًا)، قد أقيل من منصبه الأسبوع الماضي، واتهم بـ «الخيانة العظمى على ضوء معطيات أفادت بوجود معسكرات تدريب وإعداد خلايا نائمة في المناطق الجبلية».وأفادت وسال إعلام بأن ماسيموف، الذي تولى رئاسة الحكومة مرتين وعمل عن كثب مع رئيس البلاد السابق نور سلطان نزارباييف، الذي حكم لثلاثين عاماً حتى ترك منصبه ليخلفه توكاييف في 2019، قد يواجه عقوبة تصل إلى 15 عاماً.وأقال توكاييف، أمس، عظمات عبد المؤمنوف، نائب أمين مجلس الأمن القومي وهو المجلس الذي يتمتع بتأثير قوي، كما قام بتغيير قادة الاستخبارات، وعيّن مؤيدين له مكانهم، في خطوة دفعت البعض إلى الاعتقاد بأنه يستخدم الأزمة من أجل دعم نفوذه وتوسيع نطاق سلطاته.وأمس، دعا نزارباييف الشعب إلى دعم الحكومة والالتفاف حول الرئيس توكاييف، للسماح له بتجاوز هذه الأزمة وضمان وحدة البلاد»، وفق ما أعلن المتحدث باسمه، أيدوس أوكيباي، الذي أكد أن الرئيس السابق الذي حكم البلاد لمدة 30 سنة، لم يغادر البلاد، وموجود في العاصمة نورسلطان، ويعقد عدداً من الاجتماعات التشاورية، وهو على اتصال مباشر مع توكاييف.وكان توكاييف قد تولّى بنفسه عند اندلاع الاحتجاجات رئاسة مجلس الأمن القومي، وهو المنصب الذي كان يتولاه نزارباييف.مدينة أشباح
وأفادت تقارير بأن الماتي أكبر مدن البلاد، والتي شهدت أعنف الاحتجاجات، تحولت الى «مدينة أشباح»، بعد أن استعادت قوات الأمن - مدعومة بالروس - السيطرة. وبدأت بعض الأعمال ومحطات الوقود فتح أبوابها مجدداً، في المدينة التي يقطنها نحو مليونَي نسمة، بينما أخذت قوات الأمن تجوب الشوارع.قتلى ومفقودون
وأعلنت وزارة الداخلية الكازاخستانية مقتل 26 «مجرما مسلحا» و18 قتيلا في صفوفها، مؤكدة اعتقال أكثر من 4400 شخص «بينهم عدد من الأجانب».وفي عمّان، قال ذوو القائم بأعمال القنصلية بالسفارة الأردنية في كازاخستان، عدي الحديد، إنهم فقدوا التواصل مع ابنهم، إلا أن وسائل إعلام روسية نقلت عن مصادر أنه تم العثور على الحديد والتواصل معه. وفي تل أبيب، أكد الناطق باسم «الخارجية» الإسرائيلية، مقتل الإسرائيلي ليفان كوجيشفيلي (22 عاما)، بالرصاص خلال المواجهات في ألماتي.دبلوماسياً، أعلن الناطق باسم «الكرملين»، ديمتري بيسكوف، أمس، أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الكازاخستاني أجريا محادثة هاتفية طويلة، أكد خلالها توكاييف أن الوضع في بلاده «آخذ في الاستقرار».وقال بيسكوف، إن بوتين بحث أيضاً التطورات في كازاخستان مع نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان.في الوقت نفسه، أجرى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، اتصالاً هاتفياً، أمس، مع توكاييف الذي اطلعه على «الجهود المبذولة لتهدئة الأوضاع، وتعزيز الأمن والاستقرار في بلاده»، حسبما أعلنت «وكالة الأنباء القطرية» الرسمية (قنا).