رياح وأوتاد: ودارت الأيام والجلاد صار الضحية!
الحرب الجديدة المستعرة الآن بين بعض من كانوا حلفاء سياسيين وجمهورهم لم تأت من فراغ، والذين فوجئوا بها اليوم فاتتهم مقدمات واضحة لهذه الحرب مورست في السابق ضد خصومهم، حيث تجاوزت بعض الأطراف كل قيم وأحكام الشريعة في المخاطبة والحوار، وتجاوزوا أيضاً القوانين التي نظمت الكتابة وحرية الرأي والقوانين التي تنظم الإعلام بشكل عام مثل قوانين المطبوعات والمرئي والمسموع وقانون الإعلام الإلكتروني وذلك بحجة حرية الرأي والتعبير، فوقعت ظواهر خطيرة تعانيها بلادنا اليوم.فقد شنت بعض التوجهات سابقاً حرباً لفظية وإعلامية على نواب وتوجهات منافسة لهم وكانت تتهمهم بلا دليل وتشوه صورهم ولا تحترم حق الخلاف معهم ولا حقهم في الرأي الآخر، مستخدمة الأكاذيب والألفاظ المسيئة والاستهزاء والاعتداء على الكرامة والخصوصية، واستخدمت في هذه الحرب وسائل التواصل والحسابات الوهمية والذباب الإلكتروني المأجور الذي قام بالشحن الشعبي ضد الآخر، وصفق لهذه الحملات الكثيرون من المناوئين وأيضاً حسني النية والمغفلين الذين صدقوها، ولكنها أدت إلى تلويث العمل السياسي وابتعاد كثير من الكفاءات عنه.ومثل الكثيرين غيرنا نالنا في التجمع السلفي بعض شظايا هذه الحرب، فعندما كنا نحارب الفساد كانت سهامه الإعلامية تطعننا في ظهرنا، وعندما كنا نجاهد للمحافظة على أملاك الدولة كان بعض المستفيدين يشن الحرب الإعلامية والإشاعات علينا لكي يبعدنا عن طريقه الآثم.
والآن قد يندهش البعض أن الحرب الجديدة قد اشتعلت بين بعض من كانوا حلفاء الأمس، واستخدمت فيها الألفاظ نفسها التي اُستخدمت ضد خصومهم في السابق كالخيانة والتبعية للحكومة واتهام الذمة المالية، ولكني شخصياً لم أندهش لأن الذي لا يلتزم بأحكام الإسلام ولا يحترم القانون في علاقته وخطابه مع الآخر لا يستبعد أن يمارس الأسلوب نفسه مع كل من يختلف معه في الرأي ولو كان يوماً حليفاً له. فرأينا في هذه الحرب الجديدة كيف تغيرت المواقف، فمن كانوا يصفونه بالأمس بالوطني أصبح يُتهم اليوم بأنه فاسد وقبيض، والمعارض يتهم الآن بأنه حكومي، والمنقذ تحول في نظرهم إلى دجال، والحليف إلى عدو يستحق الضرب بالجزمة، والجلاد الذي كان يجلد الناس أصبح هو الضحية والمجلود، وهكذا تم تخطي كل الحدود والأعراف القانونية والشرعية من جديد بين بعض حلفاء الأمس.وأرى أن سوء الفهم لموضوع حرية الرأي والاندفاع وراء ما يسمى المزيد من الحريات دون ضوابط الشريعة يكمن وراء هذا الانحراف الخطير في أسلوب التخاطب، فالانحراف اللفظي والاعتداء ليس من الحرية لأن الحرية الحقيقية يجب أن تكون منضبطة بأحكام الشريعة والمصلحة العامة ومبتعدة عن آفات اللسان، وأن تنحاز إلى كرامات الناس وحقهم في الخصوصية وعدم التشويه المتعمد لعملهم واحترام الرأي الآخر رغم الخلاف والرد بالأسلوب العلمي والنقد البناء.لذلك يجب على الجماعات السياسية أن تعود إلى الشرع والحكمة حتى مع ألدّ الخصوم، خصوصاً مع الدعوة الحالية لجمع المعارضين، وعلى الجموع الشعبية وجميع المتابعين رفض أي خروج على أحكام الشريعة والقانون والنظام العام والآداب العامة في وسائل التواصل، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنه اللهُ رَدْغَةَ الخَبالِ حتَّى يخرُجَ ممَّا قال"، وعلى لجنة التعليم والإعلام أن تعي ذلك وتصحح مسارها برفض أي اقتراحات تؤدي إلى إلغاء جنحة خدش الآداب العامة أو التعريض بكرامة المواطنين أو الاعتداء اللفظي عليهم، لأن بعض الناس تردعها العقوبة أكثر مما تردعها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. وعلى النواب والجماعات السياسية أن يكونوا قدوة حسنة لجميع الناس والمتابعين في أسلوب التخاطب والالتزام بالردود العلمية دون تجريح وتطبيق قانون اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، ففيها من الوسائل القانونية ما هو كافٍ للتعامل مع أخطاء الحكومة أو الرئيس أو أي عضو من الأعضاء، وليكن شعارنا جميعاً قول النبي، صلى الله عليه وسلم: "ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَلَ".