لا يزال قسم كبير من الأحداث التي وقعت في السادس من يناير 2021 في واشنطن العاصمة خافيا علينا، ولكن تقريبا منذ اللحظة التي اقتحم فيها مثيرو الشغب مبنى الكابيتول، كان من الواضح أن النظام الدستوري الأميركي قاوم الجهود التي بذلها دونالد ترامب لتخريبه.

تشير الأدلة المتاحة إلى أن ترامب أيد خطة تافهة حمقاء لحمل نائب الرئيس مايك بنس على رفض التصديق على النتائج التي تُـظـهِـر أن بايدن فاز بتصويت المجمع الانتخابي، حيث كانت الفكرة تتلخص في أن يمنح الجمهوريون في الكونغرس ترامب ولاية ثانية وسط الارتباك الذي يحدثه مجمع انتخابي غير شرعي وغير مفوض ومعين ذاتيا.

Ad

لكن المخطط كان محكوما عليه بالفشل، لأن كبار الجمهوريين رفضوا مجاراته في هذه اللعبة، فتجنب مايك بنس الاضطلاع بالدور المنوط به في المخطط، وكذا فعل النائب العام (وزير العدل) وليام بار وغيره من كبار المسؤولين في الفرع التنفيذي، كما اختار مسؤولو الولايات الجمهوريون في جورجيا، وويسكنسن، وبنسلفانيا، فضلا عن القضاة الفدراليين- بما في ذلك بعض المعينين من قِـبَـل ترامب- الثبات على مواقفهم.

علاوة على ذلك، تصور أغلب الجمهوريين في الكونغرس الذين طعنوا في نتائج الانتخابات أنهم كانوا يشاركون في مجرد إجراء شكلي من شأنه أن يحميهم من انتقام ناخبي اليمين المتطرف دون أن يغير أي شيء، وكان الجمهوريون بدورهم يتبعون سوابق أرساها الديموقراطيون الذين طعنوا في النتائج الانتخابية في بعض الولايات في انتخابات سابقة في 2001، و2005، و2017.

ورغم أن المعارضة داخل إدارة ترامب وحزبه أحبطت خطة ترامب المحرضة على الفتنة، فإن العديد من الديموقراطيين يزعمون أن مخططا مشابها ربما يصادف النجاح في عام 2024، لكن أي محاولة متكررة لتغيير نتائج المجمع الانتخابي نيابة عن خاسر جمهوري ستتطلب درجة غير معقولة من التعاون بين العشرات، إن لم يكن المئات، من الجمهوريين من أعضاء الكونغرس، والهيئات التشريعية في الولايات، والمحاكم الفدرالية، وهذه المرة، لن يكون عنصر المفاجأة حاضرا.

صحيح أن مروجي الخوف سيقولون إن المسؤولين الذين دعمهم ترامب ربما يشغلون العديد من المناصب الرئيسة في إدارة الانتخابات في عام 2024، على عكس عام 2020، لكن هذه الجحافل من أنصار ترامب لابد أن يكونوا أكثر ولاء وانضباطا من الموالين السابقين من أمثال مايك بنس وويليام بار. وكل منهم يجب أن يكون على استعداد للمراهنة بمستقبله السياسي على نجاح مؤامرة معقدة من شأنها أن تعود بالفائدة في الأساس على فرد مشهور بالخيانة والغدر يستخدم الناس بشكل روتيني ثم يُـلقـي بهم بعيدا.

علاوة على ذلك، لا يخلو تقدير التأثير الذي يخلفه ترامب على المرشحين الجمهوريين من مبالغة، إنه يميل إلى تأييد أولئك الذين من المرجح أن يفوزوا انتخاباتهم الأولية أو العامة على أية حال، والأمر الأكثر أهمية أن قبضته على قاعدته غير واضحة، كما أثبت العديد من المتابعين الذين يطلقون صيحات الاستهجان عندما يؤيد لقاحات مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد19).

لهذه الأسباب، ربما ينتمي السيناريو حيث يعين ترامب (أو أحد حلفائه) في منصب الرئيس من قِـبَـل مجلس النواب بعد انتخابات عام 2024 إلى عالم الخيال السياسي المثير.

لنتأمل الآن الحدث غير المحتمل حيث يُـرَشَّـح ترامب ويفوز بوضوح بأصوات المجمع الانتخابي أو أغلبية الأصوات الشعبية في عام 2024. بدلا من ترسيخ دكتاتورية القوميين من ذوي البشرة البيضاء، التي تُـعَـد من أعظم كوابيس التقدميين، من المرجح أن يكون ترامب المتقدم في السن في ولايته الثانية شخصية صورية غير فَـعّـالة في حزب يهمين عليه جمهوريون تقليديون أكثر مما كانت عليه حاله في سنوات ولايته الأربع الأولى، وإذا كان بوسع الديموقراطية الإيطالية الصمود على الرغم من ثلاث فترات من ولاية سيلفيو بيرلسكوني رئيسا للوزراء، فإن الديموقراطية الأميركية قادرة على تحمل فترتين من ولاية ترامب.

لا يعني أي من هذا أن الديموقراطية الأميركية ليست مهددة، فالدهماء من أمثال ترامب يشكلون عَـرَضا من أعراض مرض تمكن من الجسد السياسي، ويتمثل الخطر الحقيقي الذي يهدد الديموقراطية الأميركية في الانفصال بين ما تعد به المؤسسة السياسية الأميركية الثنائية الحزبية وما تفي به حقا من وعود، والحق أن هذه المشكلة تسبق ترامب بعشرات السنين وتساعد في تفسير صعوده.

على النقيض مما وعد به، لم تنتج العولمة وظائف جديدة وأفضل لأغلب الأميركيين في مجال "اقتصاد المعرفة" العالي التكنولوجيا، وبدلا من ذلك أصبحت الولايات المتحدة تعتمد على الصين ودول أخرى للحصول على سلع مصنعة أساسية، بما في ذلك الأدوية والمعدات الطبية. كانت معظم الوظائف المنشأة في الولايات المتحدة على مدار العقود الثلاثة الأخيرة في أعمال منخفضة الأجر مع فوائد قليلة أو بلا فوائد عل الإطلاق.

على نحو مماثل، في العقد الأول من القرن الحالي، زعمت النخب المالية في أميركا أن "الاعتدال الكبير" في تقلبات الاقتصاد الكلي العالمية كان يمثل "وضعا معتادا جديدا"، ولكن تبين أنه كان يعتمد على فقاعات الأصول التي انفجرت، مما تسبب في إحداث الأزمة المالية العالمية في عام 2008 وما تلاها من ركود عظيم، ولم تُـسـفِـر التدخلات الأميركية في أفغانستان، والعراق، وسورية، وليبيا إلا عن إخفاقات صريحة أو مستنقعات دائمة.

واصل العديد من مهندسي هذه الكوارث الهائلة ترسيخ حياتهم المهنية المربحة باعتبارهم خبراء محترمين، وقِـلة منهم عانوا خسائر في أموالهم أو سمعتهم. عندما تفشل مؤسسة وطنية على هذا النحو المتكرر وبمثل هذه التكلفة، وعندما تظل مصادر الإعلام الرئيسة متواطئة في هذه الإخفاقات، لا ينبغي لأحد أن يندهش إذا بحث المواطنون عن مصادر إعلامية بديلة، بما في ذلك تلك التي تتسم بالجنون، أو تحولوا نحو ساسة دخلاء، بما في ذلك زعماء الدهماء النرجسيين من أمثال ترامب.

يجب أن يكون الأميركيون على أهبة الاستعداد لمنع المحاولات غير القانونية وغير الأخلاقية التي يبذلها ساسة فاسدون لتغيير النتائج الانتخابية، لكن الخطر الحقيقي الذي يهدد الديموقراطية الأميركية في الأمد البعيد يتمثل في الافتقار إلى الثقة الشعبية في الساسة التقليديين الذين فشلت سياساتهم مرارا وتكرارا، وبسبب هذا الافتقار إلى الثقة العامة، لن تجد النخب الأميركية من تلومه سوى ذاتها.

*مايكل ليند

* أستاذ في كلية ليندون جونسون للشؤون العامة في جامعة تكساس في أوستن، ومؤلف كتاب «الحرب الطبقية الجديدة: إنقاذ الديموقراطية من النخبة الإدارية».

Project Syndicate