على الرغم من أن الكويت تتمتع بدخول كبيرة وإنفاق عال على التعليم لكننا نواجه اليوم فجوة تفصل بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، وعائدات منخفضة كقيمة استثمارية حقيقية في أبناء البلد، وتعتبر تكلفة تعليم الطالب بالكويت ضمن الأعلى عالميا بنحو 4693 دينارا لرياض الأطفال، و3280 دينارا لطالب الابتدائي، و3426 للمرحلة المتوسطة، و3651 للثانوية، أي بمتوسط تكلفة للتعليم العام بنحو 3762 دينارا، ومع ذلك فإن مستوى التعليم في انحدار نسبة للمؤشر الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، إذ احتلت الكويت المرتبة 95 من 137 دولة في جودة التعليم.

وتساهم هذه الفجوة في خلق مشاكل اقتصادية كثيرة كالبطالة، فقد أكدت ممثلة عن ديوان الخدمة المدنية، في تحقيق صحافي سابق لـ«الجريدة»، «أن أبرز العوامل المؤدية للبطالة خلال السنوات العشر القادمة هي عدم مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات السوق».

Ad

ورغم انعقاد الكثير من الاجتماعات، التي تجمع ممثلين من وزارة التعليم العالي، ومجلس الجامعات الحكومية، وجامعة الكويت، والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، ومجلس الجامعات الخاصة، والجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، وديوان الخدمة المدنية، والهيئة العامة للقوى العاملة، والأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، والهيئة العامة للشباب، فإنه لا توجد نتيجة إيجابية منها.

ولمناقشة العلاقة بين التعليم وسوق العمل، طرحت «الجريدة» هذا الملف على المختصين، في محاولة لتوضيح أسباب اتساع الفجوة في كل سنة، وإيجاد حلول لها، وتوضيح دور التعليم في بناء الاقتصاد، وضرورة تأهيل الخريجين لسوق العمل، لعل وعسى أن تلتفت الحكومة جدياً، لا عبر اجتماعات فقط، إلى هذه المشكلة التي تتجذر مع مرور الوقت، وإليكم التفاصيل:

بداية، قال عضو هيئة التدريس بقسم الهندسة الميكانيكية في جامعة الكويت د. عماد خورشيد إن «هناك تخبطا كبيرا في التنسيق بين السياسات بين التعليم العالي وسوق العمل وديوان الخدمة المدنية، خاصة أن دراسات سوق العمل مهمة، ولذلك نحتاج إلى تعاون جميع الجهات، ومن غير المقبول أن نعمل على دراسة ونذهب للجهة المعنية ويكون الرد: ما اقدر اعطيك بيانات».

وأضاف خورشيد أن سوق العمل يحتاج إلى أبحاث، والأبحاث تحتاج إلى بيانات شفافة وتطبيق للسياسات، واليوم لا توجد دراسة متكاملة تبين حاجة سوق العمل، والبطالة الفعلية، وتأخر الطلبة في أي مجالات، وهناك توجه لفتح الجامعات دون اعتبار لحاجة التخصصات».

وشدد على خطورة انتظار الوظائف، فالشباب يتخرجون بطموح وآمال ولا يتوظفون لسنوات، وعدد الطلبة ممن في قائمة الانتظار بديوان الخدمة المدنية مهول، وهذا يبين لنا ضرورة سرعة الحركة لحل المشكلة، والمشكلة الأخرى في المشاريع التنموية، فالأساس بها ليس فقط مباني أسمنتية بل يجب أن تحل مشكلة البطالة، وعلى سبيل المثال جامعة عبدالله السالم في المواقع القديمة -الخالدية، العديلية، الشويخ- جاهزة، وتحتاج فقط إلى أعضاء هيئة تدريس وهم متوفرون، وهذه الجامعة لو تفتتح اليوم فستحتاج إلى توظيف 4 آلاف موظف، أي 4 آلاف أسرة، وستحل جزءا من المشكلة.

الإنفاق على التعليم

من جانبه، ذكر وزير المالية، رئيس الجمعية الاقتصادية الكويتية السابق عبدالوهاب الرشيد* أن «الإنفاق على التعليم بالكويت يعتبر من الأعلى على مستوى دول العالم، ومع هذا ننصدم من مخرجات التعليم، وهناك حملات توعوية وطنية مختصة لإصلاح النظام التعليمي في الكويت»، مبينا أن د. نادية الشراح ود. إسراء العيسى دقتا ناقوس الخطر على المشكلة، وهناك طلبة في الجامعة لا يجيدون القراءة باللغتين العربية والإنكليزية، وهذه مشكلة تنمو، لذلك من الضروري إصلاح الوضع التعليمي بشكل شمولي، وربط مخرجات التعليم بسوق العمل.

وتساءل الرشيد: «لماذا يتم تكديس آلاف الخريجين في وظائف قد لا تحتاجها الدولة اليوم؟ وطرحنا سؤالا آخر: ما احتياجنا من الوظائف كبلد؟ ولم نجد إجابة من الجهات المعنية، وهذه مشكلة كبيرة عندما يكون لدينا خريجون ولا يستطيعون العمل في صلب تخصصهم، وهناك حالات كثيرة لا تخفى على أحد، كالمهندس الذي يعمل بوزارة الصحة والمحامي أو خريج الشريعة الذي يعمل في مكان ليست له علاقة بتخصصه، لذلك هذا الربط لابد منه، ويعتبر أولوية، وعلى الجهات المسؤولة، وعلى رأسها ديوان الخدمة المدنية، الذي لم يوفق في هذا الدور حتى الآن، عمل دراسة لربط المخرجات مع سوق العمل».

وأشار إلى أن الجهة المسؤولة عن وضع سياسة عامة لربط مخرجات التعليم باحتياج سوق العمل هي ديوان الخدمة المدنية، ويجب التنسيق مع الجهات المسؤولة عن التعليم، سواء التعليم العالي أو وزارة التربية، في عمل هذا الربط أو الدراسة التي تنسجم مع رؤية الكويت 2035، لكن للأسف لا تزال مجرد عناوين جميلة، وهذه العناوين لم تترجم إلى واقع ملموس وآلية تربط التعليم بسوق العمل.

وأردف: «الديوان يجب أن يكون الجهة التي يراجع من خلالها قانون العمل، وكيفية تحديث القطاعات الحكومية المختلفة، ويجب أن نحدث الوظائف بما يتلاءم مع مخرجات التعليم ومؤهلات الناس، ولا نريد توظيف الكويتي بمكان نقتل فيه طموحه، إذا كانت لدينا مشكلة انعدام الوظائف فيجب أن تبادروا كديوان بحلول مختلفة، نسمع عنها كمجتمع مدني ونشارك معكم في ورشات عمل، لكن المشكلة أن بعض الجهات الحكومية تتعامل وكأنها جزر نائية بعيدة عن المجتمع، وأكبر دليل هو التطبيقات الحكومية المختلفة لكل جهة وكأننا لسنا في دولة واحدة».

نظرة مستقبلية
المطيري: استيعاب فائدة التطور

ذكرت المطيري أنه إذا استمر الوضع كما هو فسنتدنى بدلا من أن نتطور، وطالما أننا نقبل بهذا الوضع فإن ذلك معناه أننا لا نستوعب فائدة التطور، وإذا كانت الحكومة جادة في التغير فالكويت قادرة، لأن فيها منظمات وأفرادا متخصصين في هذا المجال، وقادرين على رفع مستوى التعليم من الوضع الحالي إلى وضع ممتاز، إذا تم الاختيار الصحيح للأفراد الذين سيديرون المنظومة.

الرشيد: تطوير الوظائف الحكومية

قال الرشيد: نود أن يكون هناك تطوير لقطاع الوظائف الحكومية في الكويت من ناحية التوصيف الوظيفي، وخلق وظائف عمل حقيقية، واختيار الموظفين المناسبين في الأماكن المناسبة، ومعالجة ربط مخرجات التعليم بحاجة السوق.

الساير: أخشى فوات الوقت

أعرب الساير عن خشيته أن يفوتنا الوقت، وأن نتراجع أكثر في مؤشراتنا العالمية بمستوى التعليم وجودته، وأتمنى ألا نصل للوقت الذي لا يسعنا فيه إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مستقبل شباب الكويت، خاصة بعد أزمة كورونا، فكم نعاني من سوء مخرجات التعليم والتعليم عن بعد، وكل هذه المشاكل يمكن ألا نشعر بها اليوم، لكن سنشعر بها بعد 5 أو 10 سنوات، ولا أتمنى أن نصل إلى هذا الوقت، وأن تكون لدينا حلول حقيقية تنفذ، وأن تلتفت الدولة بكل مؤسساتها لملف التعليم.

نظرة ريعية

من ناحيته، أفاد النائب مهند الساير بأن «الدولة تنظر إلى ملف التعليم نظرة ريعية، فالكويت من أكثر الدول إنفاقا على التعليم، وبالمقابل لا نرى مخرجات بقيمة الإنفاق الذي تتحمله الدولة في ميزانياتها السابقة، فالدولة تدمر بسوء مخرجات التعليم، واليوم لا المال ولا رؤوس الأموال تفيد إذا لم يكن هناك شعب واع متعلم، أي جودة حقيقية لمخرجات التعليم، واليوم تزيد البطالة، وهذه قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت».

وأضاف الساير: «لا يوجد منزل في الكويت لا يعاني من هذه المشكلة، ولا توجد مؤسسة سواء كانت حكومية أو قطاعا خاصا لا تعاني من مشكلة مخرجات التعليم وتكدس الخريجين، وعدم وجود وظائف تلائم مخرجات التعليم، وفي المقابل لا نرى نظرة مستقبلية للأمام برؤية تتحقق على أرض الواقع، فكل رئيس حكومة وكل وزير يأتي يتحدث بكلام إنشائي لا نراه يتحقق على أرض الواقع».

واستدرك: «لا شك في أن لدينا 11 جهة معنية بالشباب والتعليم، وكل جهة من هذه الجهات ستخلي مسؤوليتها وستقول إنها تحاول وتسعى للجلوس على طاولة واحدة، لكن لا تتم هذه الترتيبات، وبالتالي نعيب على رأس الهرم الذي من المفترض أن يجمع كل هذه المؤسسات تحت قيادته وبطاولة واحدة، وتكون هناك أوامر مباشرة لجلوس جميع الجهات المعنية للخروج بورقة عمل حقيقية تتبناها الحكومة».

وأكد أنه مع مجموعة من النواب قاموا بمحاولات للتعاون مع الحكومة بتقديم ملف مشترك لكن وجدوا الباب مغلقا أمامهم، متابعا: «اجتهدنا مع مجموعة من النواب في كتلة الستة في فترة الصيف بتقديم ورشة التعليم، وقدمنا بعض المقترحات التي قد تكون في المستقبل القريب أو حتى على المدى البعيد رؤية حكومية حقيقية، وبالتالي هذا الملف لا يحله شخص أو عدة أشخاص، بل يجب أن يكون نهج حكومة ومشروع دولة حتى نتفادى العدد الكبير من الطلبة الذين تعبوا وأصبحوا أصحاب شهادات، ومن المفروض أن نستفيد منهم، بينما يجلسون في منازلهم، وإذا تم توظيفهم تكون الوظيفة في مجال مختلف عن مجال تعليمهم، وهذه أزمة حقيقية يجب أن يقف الكل عندها، ويجب على الدولة أن تأخذ خطوات جدية حتى يتم حل المشكلة».

إغلاق التخصصات

بدوره، قال عميد كلية الآداب بجامعة الكويت د. عبدالله الهاجري: «إننا كجامعة نقدم علما يخدم طلبتنا، أما حاجة سوق العمل فهناك جهات أخرى ملزمة بها، سواء ديوان الخدمة المدنية أو إدارة الجامعة، وبالنسبة لنا ككليات نفضل أن نقدم علما في هذا الأمر. نعم نسعى لمصلحة الطلبة، لكن المهم لنا أن نقدم فكرا للطالب، وأن يتم تحصينه بمجموعة من المهارات المناسبة وتهيئه للحياة وحتى لسوق العمل».

وعن إغلاق تخصص اللغة العربية، أكد الهاجري أن الإغلاق لمدة فصل واحد فقط، وذلك بسبب الكثافة العددية لا لعدم حاجة سوق العمل له، ففي الفترة الأخيرة تم قبول أعداد تزيد على العدد المخصص في اللغة العربية، لذلك قرر مجلس الجامعة إيقاف القبول لمدة فصل في اجتماعه الأخير، وسيتم فتحه مجددا في السنة المقبلة لحاجة سوق العمل له.

وبخصوص مخرجات كلية الآداب وحاجة سوق العمل إليها، شدد على أنه «بالنسبة لنا نخرج أجيالا مختلفة للقطاعين الخاص والحكومي، ولم يكن هناك تنسيق بيننا وبين ديوان الخدمة المدنية طوال فترة عملي إلا بمؤتمر وحيد».

وتابع: «ندرك أن هناك مشكلة حقيقية في مخرجات كلية الآداب، لكننا ندعم الأقسام العلمية بتطوير أدواتها من أجل إيجاد فرص وظيفية بمهارات خاصة لطلبة الكلية، فعلى سبيل المثال قسم التاريخ كان من الأقسام الكبيرة، ويضم 1420 طالبا، لكن هناك أزمة حقيقية بسبب توقف وزارة التربية عن تعيينهم كمعلمين، مما أدى إلى إشكالية حقيقية، لذلك أنشأ القسم تخصصا مساندا هو الآثار والمتاحف، نسعى من خلاله إلى تأهيل كادر كويتي مهتم بالآثار والمتاحف وأيضا ربما في المستقبل بالسياحة».

وتطرق إلى أهمية تخصص الإعلام، مؤكدا أن «عمادة القبول والتسجيل هي التي تحدد الأعداد المقبولة لكل قسم من الأقسام العلمية، وأعتقد بالتنسيق مع ديوان الخدمة المدنية، وقسم الإعلام من الأقسام المهمة، ويضم ثلاثة فروع مختلفة: علاقات عامة، صحافة، إذاعة وتلفزيون، ونفكر في إنشاء فروع داخل القسم ليكون هناك متخصصون في التلفزيون والإذاعة، بحيث تكون هناك شهادة مستقلة، لتطوير مخرجات القسم».

واستطرد: «عقدنا مؤتمر مخرجات كلية الآداب وحاجة سوق العمل، ووجدنا تفاعلا من أحد الزملاء في ديوان الخدمة، لكن في الفترة الأخيرة لا يوجد أي تواصل، وأعتقد أن هذا جزء من عمل الإدارة الجامعية كلها بالتنسيق مع عمادة التسجيل والقبول في هذا الأمر، ويفترض أن تعمل الكليات على دراسة واضحة في هذا الأمر، فقد طلبت من الأقسام العلمية المختلفة القيام بعمل دراسة عن مخرجاتهم، وكيف تخدم سوق العمل، لكن لم تكن عميقة لأنها لم تدرس سوق العمل بشكل كامل».

فجوة كبيرة

وذكرت الرئيسة التنفيذية لجمعية إنجاز الكويتية ليلى المطيري أن هناك فجوة كبيرة بين التعليم الخاص والتعليم الحكومي، تجعل فرص طلبة التعليم الحكومي أقل من الخاص في سوق العمل، فالطلبة يكون لديهم نفس الذكاء والقدرات، لكن في التعليم الخاص يكون استخدام الكمبيوتر جزءا من حياتهم، أما الحكومي فتنقصهم الخبرات الأساسية، وهذا تترتب عليه سرعة في العمل.

وتابعت المطيري: «طلبة التعليم الحكومي يفتقدون اللغة الإنكليزية، وأغلب الأحيان اللغة العربية، عكس التعليم الخاص يجيدون اللغتين، وهذا يفرق كثيرا في سوق العمل، خاصة في القطاع الخاص، كونه يتعامل مع دول خارجية، إضافة إلى أن الموظفين داخل قطاع العمل من دول مختلفة، واللغة الإنكليزية تجمعهم.

وشددت على دور الحكومة، وضرورة أن نستخدم التعليم الحديث كالتكنولوجيا، وتأهيل المعلمين عن طريق تطوير مهاراتهم لمواكبة التعليم الحديث، «ففي الكويت مازلنا نستخدم التعليم التقليدي في الحكومة، على عكس التعليم في الخليج يستخدمون التكنولوجيا بجميع الفصول، والطلبة يتعلمون عن طريق اللوحات الإلكترونية، إضافة إلى أن المعلمين يأخذون دورات بالتعليم الحديث والسريع وكيفية تطوير مهارات الطلبة».

الساير: التعاون مع شركات عالمية

أكد الساير أن «العالم تطور وأصبح رقميا، لذلك أصبح لدينا توجه مع مجموعة من المهتمين بهذا المجال إلى عدم فتح الباب لبعض الشركات التجارية لاستقطاب الشباب الكويتي وإعطائهم شهادات تقنية غير حقيقية، وبالتالي هذه الشهادات ليس لها أي قيمة على أرض الواقع، ومن المفترض أن تكون تحت رعاية الدولة ليكون هناك تعليم حقيقي وشهادة حقيقية بالتعاون مع الشركات العالمية، وبعد أن اجتمعنا مع المختصين أعلن أن هذا المشروع سيكون على أرض الواقع، ونسعى إلى تطبيقه، ونتمنى أن تتبناه وزارة التربية».

* أُجري هذا التحقيق مع وزير المالية الحالي عبدالوهاب الرشيد حين كان رئيسا للجمعية الاقتصادية الكويتية قبل توزيره

حصة المطيري