بدا أن الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وموسكو ولد ميتاً، بعد أن وقع بين ناري ضغوط الملف الأوكراني، الذي ربطه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمبادرته حول الضمانات الأمنية، وبين الأوضاع المستجدة في كازاخستان، التي لم يكن لروسيا أي خيار فيها سوى المسارعة إلى إرسال قواتها، لتجنّب حريق يأتيها من «الحديقة الخلفية».
ريابكوف
وقبيل جلسة المحادثات الأولى، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، الذي سيترأس وفد بلاده مع نائب وزير الدفاع ألكسندر فومين «لن نقبل بأي تنازل» بخصوص الضمانات الأمنية التي يطالب بها الرئيس فلاديمير بوتين مقابل خفض التصعيد في اوكرانيا، مؤكداً أن «روسيا تتوجّه إلى جنيف ليس للطلب، وإنما بمهمة واضحة يجب تنفيذها بناء على شروطها». وغداة اشتباك كلامي بين البلدين حول التطورات في كازاخستان، رفض ريابكوف أن تشمل محادثات جنيف الأوضاع في ذلك البلد، معرباً عن تشاؤمه إزاء حدوث تقدم سريع بسبب ما أسماه إشارات سلبية صدرت في الأيام الأخيرة عن واشنطن والاتحاد الأوروبي، ولم يستبعد اقتصار المحادثات على لقاء واحد. من ناحيتها، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن المفاوضات ستجري ضمن نطاق ضيق حول القضايا الأمنية، مشيرة إلى أن الوفد الروسي سيشارك بأفكار عملية.واشنطن
وسيمثل الجانب الأميركي في هذا الاجتماع النائب الأول لوزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان، يرافقها اللفتنانت جنرال جيمس مينغوس مدير العمليات في هيئة الأركان المشتركة.وقال مسؤول رفيع المستوى بإدارة بايدن خلال مؤتمر صحافي عبر الهاتف، إن الولايات المتحدة وحلفاءها مستعدون للنقاش مع روسيا بشأن إمكانية قيام كل جانب بتقييد التدريبات العسكرية ونشر الصواريخ في المنطقة، لكنه شدّد على أن الولايات المتحدة ليست على استعداد لمناقشة فرض قيود على نشر القوات الأميركية أو على وضع هذه القوات في دول حلف شمال الأطلسي بالمنطقة.وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن «واشنطن مستعدة لمناقشة إمكان فرض قيود متبادلة على حجم ونطاق التدريبات العسكرية التي تجريها روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي». وتابع: «هناك بعض المجالات التي نعتقد أن من الممكن إحراز تقدم فيها» شرط أن تكون التعهدات «متبادلة». وأضاف: «قالت روسيا إنها تشعر بالتهديد من احتمال نشر أنظمة صواريخ هجومية في أوكرانيا، ليس لدى الولايات المتحدة أي نية للقيام بذلك. هذا مجال يمكن أن نتوصل إلى اتفاق بشأنه إذا وافقت روسيا على تقديم التزام متبادل».وأردف أن موسكو «أعربت أيضاً عن اهتمامها بمناقشة مستقبل أنظمة صواريخ معينة في أوروبا، وفق مبادئ معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، ونحن منفتحون على النقاش» في هذا الشأن.وتطالب المبادرة الروسية بعقد اتفاقيات ومعاهدات روسية ـ أطلسية تشمل ضمانات أمنية متبادلة في أوروبا بما في ذلك عدم نشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في مناطق الوصول إلى أرض الخصم وتخلي الحلف عن مواصلة توسعه شرقاً وسحب كل القوات الأميركية من الدول التي تقع في أقصى شرق حدود حلف شمال الأطلسي (الناتو).وخفّض المسؤول سقف التوقعات من اجتماع جنيف، قائلاً: «ننظر إلى مناقشات جنيف بواقعية وليس بتفاؤل»، مشيراً إلى أنها ستكون «استكشافية» ولن تؤدي إلى تعهدات نهائية، لافتاً أن جميع المسائل ستدرس بعد ذلك في واشنطن وستناقش مع الحلفاء.وختم: «لن أفاجأ إذا بدأت وسائل الإعلام الروسية بالإبلاغ، ربما حتى أثناء إجراء المحادثات، أن الولايات المتحدة قدمت جميع أنواع التنازلات لروسيا. ستكون تلك محاولة متعمدة لإحداث انقسامات بين الحلفاء عبر التلاعب». وتكرر موسكو منذ أسابيع بأنها تريد تنفيذ مبادرة الضمانات الأمنية بشكل فوري وسريع. بدوره، قال البيت الأبيض، إن تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن التي قال فيها إن القوات الروسية التي دخلت كازاخستان قد لا تخرج منها بسهولة، مما أثار غضب موسكو، تعكس موقف واشنطن في محادثات جنيف.مشاورات وعقوبات
وقبل أيام قليلة من حوار مماثل سيعقد بين حلف «الناتو» وموسكو، ناقش مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية جوزيب بوريل مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال اتصال هاتفي، مبادرة الضمانات الأمنية الروسية، واتفقا على أن «أي عدوان من قبل روسيا ضد أوكرانيا ستكون له تبعات وخيمة وثمناً باهظاً».حرب عصابات
تزامن ذلك مع تسريب معلومات تفيد بأن إدارة الرئيس جو بايدن تدرس مع حلفائها تجهيز مجموعة من العقوبات المالية والتكنولوجية والعسكرية ضد روسيا ستدخل حيز التنفيذ في غضون ساعات في حال قامت موسكو بغزو أوكرانيا.ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصدر مطلع على المناقشات بأن أحد هذه القيود يمكن أن يستهدف عزل أكبر المؤسسات المالية الروسية عن المعاملات العالمية، وفرض حظر على التكنولوجيا الأميركية اللازمة للصناعات الدفاعية، وتسليح المتمردين في أوكرانيا، كما ستدير واشنطن وحلفاؤها ما يرقى إلى حرب عصابات ضد احتلال عسكري روسي محتمل.القوات الروسية
ومع تصاعد التوتر تدريجياً بين موسكو وواشنطن ازاء تطورات الاوضاع في كازاخستان، بدأت القوات الروسية في حماية المنشآت الحيوية والبنية التحتية والمؤسسات الاجتماعية في كازاخستان. وأفاد مكتب الرئاسة في كازاخستان، أمس، بأنه «تم نقل عدد من المنشآت الاستراتيجية تحت حماية القوات المتحدة لحفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي» الذي تقوده روسيا. ولم يحدد البيان تلك المنشآت.على مستوى آخر، قال الناطق الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إنه من المقرر عقد قمة عبر الفيديو لدول منظمة معاهدة الأمن الجماعي بخصوص كازاخستان، اليوم، بمشاركة بوتين.