تواصل حملة "انهضي يا بيروت"، وللسنة الثانية على التوالي، التخفيف من وطأة المأساة والمعاناة والوقوف بجانب الأسر المتضرّرة من جراء انفجار العاصمة، إذ توّجت بمضمونها وأنشطتها وبرامجها، مجمل الجهود الإنسانية والحيويّة التي تبذلها المؤسّسة، سواء في دولة الكويت أو خارجها.

هول الكارثة، لم يثنِ أهالي العاصمة عن مواصلة الحياة والتسلّح بالعزيمة والإرادة، حيث ساهم متطوّعو "لوياك لبنان"، في إحياء الأمل في نفوسهم، من خلال متابعة يوميّة وعمليّاتٍ مكثّفة، شملت مسح الأضرار وتقييم الحاجات، تماماً كمتابعة مرحلة الإصلاح والترميم، وتوفير الدعم المعنويّ والنفسيّ للمتضرّرين من خلال برنامج إدارة الصدمات.

Ad

آلامٌ لا تفارق الذاكرة

قصصٌ حزينة ترويها الجدران والأزقّة والشوارع، بما تكتنزه من آثار دمارٍ ورائحة موتٍ وأوجاعٍ لا زالت ترافق اللبنانيّين في تفاصيل يوميّاتهم ومحادثاتهم، بعد أن دمّر الانفجار واقعهم وعبث بأحلامهم وتطلّعاتهم. فهناك، عند عتبة منزلها في منطقة المدوّر المحاذية لمرفأ بيروت، تقف ميرنا منصف نصّار، وفي جعبتها شريط من ذكريات انفجار الرابع من أغسطس 2020، ذلك اليوم المفجع الذي عاشته وأسرتها، فكان أن نجوا بأعجوبة.

ميرنا، التي أصيبت وابنها الكبير بجروحٍ طفيفة، في حين أصيب زوجها وابنها وابنتها بجروحٍ بليغة، تتنقّل اليوم وعلى وجهها أمل في غدٍ أفضل ينتظرها، بعد أن لحقت بمنزلها أضرار جسيمة أطاحت كلّ غرفه ومحتوياته.

المنزل المقابل لتمثال المغترب، والذي لم يبقَ منه سوى الجدران، لم تكن تتخيّل نصّار أنّها ستُهجّر منه وعائلتها بشكلٍ قسريّ أو أن "تغترب" داخل بلدها الأم، لتعود إليه بعد قرابة 5 أشهر.

ميرنا، التي باشرت عمليات التنظيف وإزالة الركام والترميم منذ الأيام الأولى التي أعقبت الانفجار، تشيد في حديثها، "بما بذلته مؤسّسة لوياك لبنان من جهودٍ حثيثة ومتواصلة لإعادة ترميم منزلنا، لا سيّما لناحية تركيب الزجاج والألومنيوم، علماً أنّ بيتنا كبير، وهو مؤلّف من مساحاتٍ زجاجيّة شاسعة".

وأضافت: "لقد ساهمت حملة انهضي يا بيروت في لملمة أوجاعنا واحتضان همومنا ومأساتنا، فضلاً عن أنّ فريق العمل لم يكتفِ بتقديم المساعدة المادية فحسب، بل حرص المتطوّعون على التواصل معنا بشكلٍ دائمٍ، زيارتنا والوقوف عند أحوالنا وتوفير كلّ ما تيسّر من دعمٍ معنويّ ونفسيّ. وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على أنّ هناك من يقف بجانبنا وأنّ الناس ما زالت لبعضها البعض".

وتحاول نصّار قدر الإمكان ألا تتذكّر ذلك اليوم المرعب الحزين، مشيرةً إلى أنّ "الدمار المادي يبقى قليلاً أمام الدمار النفسي، لا سيّما أولئك الذين فقدوا أبناءهم وأصدقاءهم وأقاربهم. إنّه فعلًا الدمار الحقيقي، حتّى لو بعد انقضاء عام ونصف العام على الفاجعة. وهنا، الدور الفاعل الذي لعبته مؤسسة لوياك لبنان في جلسات الدعم النفسي التي حظينا بها خلال هذه الفترة".

وتختم بالقول: "لا يمكننا اليوم سوى طلب الرأفة والرحمة والأمل بأن يصحو ضمير المسؤولين، فانفجار بيروت هزّ العالم برمّته، لكنّه لم يحرّك ساكنًا لديهم"، متمنيّةً أن "نرتاح من الظلم اللاحق بنا ومن الضريبة التي ندفعها، وكأنّ قدرنا أن ننجو كلّ مرة من الموت على "شَعرة" (أن نكون قريبين جدًّا من الموت).

من جهتها، رددت المواطنة رجاء زهران، "اليوم البيت عمار بعد الدمار"، وهي بضع كلمات اختصرت مسار التدخل الإغاثي العاجل لمؤسّسة "لوياك - لبنان" عقب الانفجار الذي أسفر عن مئات القتلى وآلاف الجرحى، وأدّى إلى تدمير المنازل السكنية والأبنية التراثية.

ترميم 180 منزلًا وملجأ للأطفال

فمنذ اليوم الأول، بادرت "لوياك - لبنان" إلى تشكيل ثلاثة فرقٍ لمواجهة الأزمة، توزّعت بين فريق للعمليات، وآخر للتقييم والإصلاح وثالث للخدمة التطوعية العامّة، وذلك بهدف تخفيف وطأة الظروف القاسية وإعادة الأمل إلى اللبنانيّين واللبنانيّات.

وفي إطار حملة "انهضي يا بيروت"، تمكّنت المؤسّسة من تحقيق إنجازاتٍ تفوق الأهداف المرجوّة، إذ تمّ خلال 16 شهراً، ترميم 180 منزلًا بشكلٍ كاملٍ، والمساهمة في تنظيف المرافق العامّة والمباني الأثرية ومبنى جريدة "النهار"، إضافة إلى ترميم دار الأيتام (العزارية) وإعادة تأهيلها، مما ساهم في إيواء مئتي طفل وإنقاذهم من خطر التشرّد، فضلاً عن الدعم النفسي والاجتماعي وبرامج التوعية الصحية المباشرة لأكثر من مئتي عائلة متضرّرة، سعيًا إلى تجاوز الصدمة والتغلّب على تداعيات الانفجار. هذا، وعملت الحملة على توفير مساحة فنية آمنة للشباب والأطفال عبر برامج وأنشطة فنية كالمسرح والفنون الأدائية والتشكيلية، عبّروا من خلالها عمّا يعتريهم من غضبٍ وألمٍ".

وكانت الحملة انطلقت ببضع مكالماتٍ هاتفية، قبل أن تتحوّل إلى خطة عملٍ مدروسة ومنظّمة، نجحت في تحويل المأساة والدمار إلى قوّة وإصرارٍ على الحياة. فقد شملت كذلك، رحلات إلى البحر وجلسات "يوغا" ساعدت الكبار والصغار على التخلّص من مشاعر التوتّر والقلق. ومن منطلق أهميّة الفن كأداة فاعلة في تحقيق السلام، أقامت أكاديميّة "لوياك للفنون الأدائية (لابا)" في الكويت معرضًا افتراضيًّا للوحات ٍفنية، بمشاركة رسّامين من مختلف الدول العربية، خُصّص ريعه لدعم حملة "انهضي يا بيروت".

«لوياك» السند والوفاء بالوعد

أحلام اللبنانيّين واللبنانيّات لا تقف عند حدود مرحلةٍ عمريّة، كما أنّها لا تتلاشى أمام الأزمات والكوارث. ففي وقتٍ يسرد كميل معلوف، بحسرةٍ كيف دمّر الانفجار منزله الكائن في منطقة الرميل (بيروت)، بشكلٍ كاملٍ، يتمسّك بما تبقّى له من قوةٍ تسعفه على متابعة أعمال الترميم وإيواء عائلته، ويستذكر كيف وقفت "لوياك لبنان" بجانبه في أحلك الظروف.

الرجل السبعيني، الذي لا يفارقه المزاح والضحك رغم المأساة والمعاناة، ينوّه بما قدّمته "لوياك لبنان" من مساعداتٍ، سواء لناحية إصلاح أبواب منزله بعد أن دُمّرت بالكامل أو لناحية الإعانات الغذائية. ويقول: "لقد خُربت بيوتنا منذ الرابع من أغسطس 2020، كنّا مرتاحين (مستورين)، نعيش حياة لا بأس بها. لكنّ انفجار المرفأ ليس كارثة فحسب، إنّه فاجعة بكلّ معنى الكلمة، يكفي أنّني وجميع أفراد عائلتي نعيش اليوم على أدوية الأعصاب، بعد ما اختبرناه من خوفٍ ورعبٍ، وما رأيناه من مشاهد قتلى وجرحى في مختلف أرجاء بيروت. غير أنّ الخدمات النفسية والرعائية التي وفّرتها مؤسسة لوياك لبنان، ساعدتنا على تخطّي مرحلة القلق والتوتّر، إضافة إلى ما يتحلّى به فريق لوياك من أخلاقيّاتٍ عالية، وما أبدوه من اهتمامٍ وحسن تعاملٍ و شعور بالمسؤوليّة تجاه أوضاعنا الصعبة".

معلوف، الذي مازالت زوجته تخضع للعلاج حتى تاريخه، بعد إصابتها في عمودها الفقري، تقع على عاتقه كذلك مسألة رعاية شقيقته من ذوي الاحتياجات الخاصّة، والتي أُصيبت بدورها بجروحٍ طفيفة إثر الانفجار. وإذ يروي كيف نجا من الموت وهو يركن سيارته، يتحدّث عن إصابة ابنه ببعض الجروح، وعن دمارٍ لحق بكلّ السيارات.

ويلفت إلى أنّه اضطرّ أن يرهن منزله المتضرّر مقابل الحصول على مبلغٍ ماديّ من أحد الأشخاص، مما سمح له بإعادة ترميم ما أمكن.

وفي هذا الصّدد يكشف أنّهم وطوال عام ونصف العام كانوا يلجأون للاستحمام باستخدام وعاءٍ وكوبٍ، "فقد عجزنا سابقًا عن إصلاح الحمّام بأكمله، واليوم نتابع مرحلة تأهيله. ولكن مازلنا بحاجة إلى صيانة المطبخ وإلى برّادٍ جديد".

ابن الـ71 عاماً، الذي يواظب على عمله كسائق سيارة أجرة، رغم القلّة القليلة التي يجنيها والخسائر التي يتكبّدها مع ارتفاع أسعار المحروقات وكلفة الصيانة في لبنان، يبدي عتبه على بعض الجمعيات الخيرية، التي زارت منزله، قيّمت الأضرار ووعدته بالمساعدة، لكنّها تخلّفت عن ذلك.

ووصف حملة "انهضي يا بيروت" بأنها الأمل الوحيد المتبقي له ولم تتخلَ عنه رغم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان.

مساعدات للأسر المحدودة الدخل

وبعددٍ ناهز الألف متطوّع من شباب وشابّات لبنان، تمكّنت "لوياك لبنان" خلال سنة 2021، من توزيع المؤن بشكلٍ دوري لمئتي أسرة من ذوي الدخل المحدود جدًّا، بمعدّل ثلاث مرات سنويًّا. كما نفّذت حملاتٍ دوريّة لتوزيع الأدوية في العاصمة بيروت وفي محافظة عكار ومدنٍ أخرى، إضافة إلى توزيع الملابس والأحذية والحقائب المدرسية للأسر المحدودة الدخل.

مساعداتٌ إنسانيّة وعمليّات تأهيل وترميم، خلقت علاقة راسخة ووطيدة بين الأسر المستفيدة وعائلة "لوياك لبنان". فلم تقتصر حملة "انهضي يا بيروت" على ترميم البيوت فحسب، بل اهتمت أيضًا بترميم المراكز الفنية وإعادة الفن والألوان إلى شوارع بيروت. ومن هذا المنطلق، تولّت الحملة مسؤولية ترميم مسرحٍ في منطقة برج حمّود وتأهيله، ليستضيف عروضًا مسرحيّة من جديد.

وكانت عمليّات الإصلاح والترميم شملت استبدال الزجاج المكسور والأسقف وإعادة بناء وطلاء الجدران المدمّرة، وتحسين الوضع الداخلي للمنازل. كما نظمت "لوياك" زيارات تفقدية مع مهندسين مدنيّين للتأكّد من سير العمل وتسليم المنازل لأصحابها.

ترميم 50 منزلاً وملجأ لكبار السنّ

"انهضي يا بيروت"، مشروعٌ إنسانيّ حيويّ، تطمح ادارة لوياك من خلاله إلى استمرار أداء دورها تجاه المجتمع في بيروت، خصوصاً أن طلبات الترميم مازالت تنهال عليها بعد أن تخلفت بعض الجمعيات الوهمية عن الالتزام بوعودها وظل الكثير من المتضررين يعانون التشرد وقسوة المعيشة. ففي ظلّ غياب الدور الفاعل للحكومة اللبنانية واستمرار تدهور الليرة اللبنانية وتصاعد وتيرة الغلاء المعيشي، تبرز حاجات هائلة لترميم الكثير من المنازل والمدارس ودُور الرعاية.

وتأمل "لوياك" أن تتمكن من ترميم ملجأ لكبار السن و50 منزلاً على الأقل، وأن تستمر في تقديم خدماتها في مجال الرعاية المعيشية والرعاية الصحية والنفسية خلال هذا العام.

يذكر أن "لوياك" استطاعت أن تحقق تلك الانجازات خلال الـ 18 شهراً الماضية بفضل دعم وثقة شركائها من الشركات والأفراد تتقدمهم شركة الغانم انترناشيونال.