طوال عقود، اعتاد الأميركيون على اعتبار أسوأ فئات المجتمع مصدراً للتطرف اليميني أو أي نوع من التطرف، حيث يشكّل المتطرفون جزءاً ضئيلاً من البلد (أقل من 1% من السكان)، لذا يظن الكثيرون أنهم محرومون اقتصادياً وعاطلون عن العمل في معظمهم ويأتون من أرياف الولايات المتحدة.لكن تغيّرت هذه النظرة اليوم، أقله في ملف أعمال الشغب ضد مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021 وحركات التمرد ككل، فعند التعمق بهوية مقتحمي الكابيتول، وحجم حركة التمرد في الولايات المتحدة اليوم، والأفكار الكامنة وراء التحركات العنيفة، يتبيّن أن الأنماط القديمة من التطرف اليميني لم تعد تنطبق على الوضع القائم.
أجرى "مشروع الأمن وتهديدات التركيبة السكانية" في جامعة شيكاغو تحليلاً جديداً حول مقتحمي مبنى الكابيتول في 6 يناير، فاكتشف المحللون واقعاً جديداً وصادماً: ينتمي المتمردون إلى أطراف سياسية بارزة ولا يقفون على هامش الحياة السياسية.اعتُقِل 716 شخصاً أو وُجِّهت التُهَم ضدهم اعتباراً من 1 يناير 2022، ونملك بيانات حول وظائف 501 منهم ومواصفاتهم الاقتصادية، وتكشف هذه المعطيات أن أكثر من نصف العدد هم أصحاب شركات، منهم مديرون تنفيذيون، أو عاملون في مكاتب، بما في ذلك مجموعة من الأطباء والمحامين والمهندسين والمحاسبين.كان 7% منهم فقط عاطلين عن العمل في تلك الفترة، أي ما يساوي المعدل الوطني تقريباً، وفي المقابل، تبلغ هذه النسبة 25% على الأقل في أوساط مثيري الشغب اليمينيين العنيفين الذين اعتقلهم مكتب التحقيقات الفدرالي ووكالات أميركية أخرى لإنفاذ القانون بين عام 2015 ومنتصف 2020.على صعيد آخر، كان 14% فقط من مقتحمي مبنى الكابيتول في 6 يناير منتسبين إلى ميليشيات مثل "حراس القسم" أو جماعات متطرفة مثل "الفتيان الفخورين"، ولم يكن 86% منهم ينتمي إلى أي جماعة.بعبارة أخرى، كان يسهل أن يخسر هؤلاء الأشخاص الكثير حين ذهبوا إلى واشنطن وشاركوا في أعمال العنف، ويُعتبر الانتماء العرقي عاملاً مؤثراً آخر في هذا المجال، فعند تحليل المقاطعات التي يأتي منها المعتقلون أو المتّهمون باقتحام الكابيتول وأماكن إقامتهم، يتّضح أن أكثر من نصفهم يعيش في مقاطعات فاز فيها جو بايدن، وهم لا يأتون بشكلٍ أساسي من المناطق الأميركية المحسوبة على الحزب الجمهوري، بل يأتون أيضاً من مدن مثل سان فرانسيسكو، ولوس أنجلس، وشيكاغو، ونيويورك، وفيلادلفيا، وهيوستن، ودالاس، لكنّ القاسم المشترك بينهم هو أنهم يأتون من المقاطعات التي تشهد أسرع تراجع للسكان البيض.تتجه الولايات المتحدة اليوم لخوض موسم انتخابي محتدم في عام 2022، وستكون حركة التمرد أشبه بمخزون من المواد القابلة للاشتعال، حيث تتعدد الشرارات المحتملة محلياً وقد تزداد سوءاً بسبب التغيرات الأخيرة في قوانين الانتخابات في جورجيا وتكساس وولايات أخرى حيث أصبح احتساب الأصوات مسيّساً جداً.قد يتعرّض المجلس الانتخابي في ولاية جورجيا مثلاً لضغوط سياسية شديدة للتأثير على النتائج لصالح المرشحين الجمهوريين لمنصب حاكم الولاية ومناصب أخرى، وفي هذه الحالة قد تشهد الولايات المتحدة سلسلة جديدة من الاحتجاجات والمواجهات والتصعيد. يتعاطف ملايين الأميركيين اليوم مع مثيري الشغب الذين هاجموا مبنى الكابيتول، ويُسهّل هذا الدعم الشعبي الواسع للعصيان تبرير العنف السياسي مستقبلاً، وينتظر الكثيرون الآن وقوع حدث متفجر للتحرك، فقد يقع هذا الحدث في ولاية جورجيا في عام 2022، ولا ننسى التطورات المحتملة هناك بحلول عام 2024.مع بدء السنة الجديدة، يجب أن يستوعب القادة السياسيون هذا الواقع المستجد ويُقيّمه القادة الطامحون لاستلام السلطة، كذلك يُفترض أن يطرح المواطنون والصحافيون على كل مرشّح سؤالاً بسيطاً: ما رأيك بمن يعتبرون استعمال القوة مبرراً لإعادة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة؟* روبرت بايب
مقالات
مثيرو الشغب في مبنى الكابيتول ليسوا من نفترضهم
11-01-2022