ما مصير الروابط الأمنية بين رابطة أمم جنوب شرق آسيا وكوريا الجنوبية؟
في أواخر الشهر الماضي طرح وزير الدفاع الكوري الجنوبي الرؤية الأمنية التي تحملها سيول لجنوب شرق آسيا خلال رحلة له إلى المنطقة، فسلّطت هذه الرؤية الضوء على دفاع كوريا الجنوبية المتطور في إطار مقاربة شاملة لجنوب شرق آسيا ومنطقة المحيطَين الهندي والهادئ في ظل خليط من التطورات المحلية والإقليمية والعالمية.سعى رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، منذ بداية عهده إلى تجديد علاقات بلده مع جنوب شرق آسيا عبر "السياسة الجنوبية الجديدة" التي طرحها في عام 2017، وهي تُركّز على الشعب والازدهار والسلام، وتزامناً مع تطوير هذه السياسة، حاولت كوريا الجنوبية أيضاً أن تتكل على عناصر سابقة من التعاون الأمني يجمعها مع رابطة أمم جنوب شرق آسيا، بما في ذلك التبادلات الدفاعية والردود المشتركة على تحديات مثل الأمن الإلكتروني والبحري.في الشهر الماضي، أصبحت الجهود الدبلوماسية الكورية الجنوبية تحت الأضواء مجدداً حين زار وزير الدفاع سوه ووك سنغافورة وتايلند، وهما شريكتان أساسيتان في "السياسة الجنوبية الجديدة"، وأكدت هاتان الزيارتان الأخيرتان على رؤية سيول الدفاعية للمنطقة وعلى استمرار بعض النشاطات الأخرى في علاقات البلد الفردية والثنائية.
أهم ما قام به سوه خلال زيارته هو إلقاء محاضرة في مؤسسة فكرية في سنغافورة، حيث طرح رؤية كوريا الجنوبية الدفاعية في المنطقة، فذكر أن بلده يسعى إلى بناء دبلوماسيته الدفاعية في جنوب شرق آسيا عبر التركيز على المؤسسات والحاجات القائمة، سواء حصل ذلك عبر مجموعات عمل من مؤسسات متعددة الأطراف، مثل اجتماع وزراء الدفاع في رابطة أمم جنوب شرق آسيا، أو عبر شراكات في أنحاء الدول لإدارة المسائل الأمنية غير التقليدية والتدريبات الجماعية، أو عبر مبادرات مبتكرة مثل "رؤية المحيطَين الهندي والهادئ" التي طرحتها رابطة أمم جنوب شرق آسيا، كذلك وضع سوه العلاقات التي تجمع بين كوريا الجنوبية وهذه الرابطة في إطار إقليمي واسع، فقال إن التعاون بين القوى المتوسطة والأصغر حجماً لن يُسهّل مواجهة التحديات فحسب، بل إنه قد يكبح أيضاً المنافسة المتوسعة بين الولايات المتحدة والصين.كانت معظم مواقف سوه تتماشى مع تحركات كوريا الجنوبية، لكنها تبقى بارزة، ومن المتوقع أن ترحّب الأوساط الإقليمية التي تشعر بالقلق من مؤسسات مصغرة، مثل الحوار الأمني الرباعي وآلية "أوكوس" الأمنية بين أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، بمواقف سوه التي اعتبرت كوريا الجنوبية بلداً يدعم التعددية ورؤية رابطة أمم جنوب شرق آسيا لمنطقة المحيطَين الهندي والهادئ، لأن تلك المؤسسات تُعتبر على نطاق واسع سبباً لتصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين أو إضعاف دور رابطة أمم جنوب شرق آسيا في الهندسة الإقليمية. لم يتطرق سوه إلى جميع المسائل العالقة والتحديات المحتملة في رؤية سيول الدفاعية، حيث يتعلق جزء من هذه المواضيع بالوقائع الإقليمية، منها خصوصية بعض المشاريع الثنائية الحاصلة تحت مظلة إقليمية بالنسبة إلى شركاء آخرين في الحوار، مثل اليابان وأستراليا، أو صعوبة إقناع دول منتقاة في جنوب شرق آسيا بالمشاركة في جهود فردية لتكثيف التعاون، وتطرح العوامل المحلية مشاكل عدة أيضاً في عام 2022، إذ يسهل التشكيك باستمرار الالتزام برؤية "السياسة الجنوبية الجديدة" تزامناً مع الانتخابات الرئاسية في كوريا الجنوبية، ولا ننسى عواقب نقاط الاشتعال الإقليمية التي تشمل بحر الصين الجنوبي وكوريا الشمالية التي شكّلت جزءاً أساسياً ومتوقعاً من تعليقات سوه. في مطلق الأحوال، أثبتت رحلة سوه وخطابه التزام كوريا الجنوبية المستمر في بناء الجانب الدفاعي من رؤيتها لتطوير علاقاتها مع منطقة جنوب شرق آسيا ورابطة أمم جنوب شرق آسيا وسط هذا الخليط من الفرص والتحديات، ولا شك أن المراقبين الإقليميين في هذه المنطقة وفي عواصم أخرى من المحيطَين الهندي والهادئ سيراقبون عن كثب طريقة تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس خلال الأشهر والسنوات المقبلة.* باراشانث باراميسواران