«التمييز» تحسم مراكز العسكريين في الجهات المدنية

• أكدت انطباق قواعد قانون «الخدمة» عليهم نظراً لطبيعة أعمالهم
• ألغت قرار «الداخلية» بالامتناع عن تسكينهم في وظيفة تحقيق تعادل رتبهم
• «الدستورية» فصلت في تحديد نطاق سريان قانون التحقيقات السابق والمخاطبين به

نشر في 11-01-2022
آخر تحديث 11-01-2022 | 00:03
مديرية أمن محافظة العاصمة
مديرية أمن محافظة العاصمة
أيدت محكمة التمييز الإدارية الحكم بإلغاء قرار وزارة الداخلية السلبي بالامتناع عن تسكين المحقق العسكري في الوظيفة التي تعادل رتبته العسكرية، مؤكدة أن أحكام القانون لا تسري إلا على ما يقع من تاريخ نفاذه، ولا يترتب عليها أي أثر بالنسبة لما تم قبله من مراكز قانونية، سواء في نشأتها، أو في إنتاجها لآثارها، أو في انقضائها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
في حكم قضائي بارز، حسمت محكمة التمييز الإدارية الثالثة، برئاسة المستشار د. عادل بورسلي، المركز القانوني للعسكريين الذين يعملون في وظائف مدنية، كالعسكريين الذين يتولون التحقيق في الإدارة العامة للتحقيقات.

وقررت المحكمة انطباق أحكام قانون الخدمة بشأن وضعهم الوظيفي المدني البعيد عن الوظيفة العسكرية، كما طبقت أحكام المادة 21 من قانون الخدمة المدنية بشأن التقادم على مطالبات الموظفين، بدلا من تطبيق قواعد القانون المدني المتعلقة بعدم سماع الحقوق، وأيدت الحكم بإلغاء قرار وزارة الداخلية السلبي بالامتناع عن تسكين المحقق العسكري في الوظيفة التي تعادل رتبته العسكرية.

وأكدت المحكمة أن أحكام القانون لا تسري إلا على ما يقع من تاريخ نفاذه، ولا يترتب عليها أي أثر بالنسبة لما تم قبله من مراكز قانونية سواء في نشأتها، أو في إنتاجها لآثارها، أو في انقضائها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، فالقاضي مطالب أساسا بالرجوع إلى النص القانوني الذي يطبق على وقائع النزاع في الدعوى، فإذا كانت النصوص القانونية واضحة الدلالة فلا يجوز الأخذ بما يخالفها أو تقييدها أو الزيادة عليها أو الخروج على حكمها، لما في ذلك من استحداث لحكم جديد مغاير لمراد المشرع.

حقوق

واضافت أن المشرع في حساب مدة تقادم الحقوق المالية للموظف مايز بين ما إذا كان يعلم بها من عدمه، واكتفى في حالة العلم بمدة قصيرة قدرها بسنة من تاريخه، والمقصود بهذا العلم أن يعلم الموظف بحقه المالي، ومداه، وعناصره الأساسية، من حيث مقداره، وتاريخ استحقاقه، والجهة المدينة به، حتى يتسنى له المطالبة به، فإن لم يتوافر العلم بالحق على هذا الوجه فلا تبدأ مدة هذا النوع من التقادم، واستخلاص علم الموظف بحقه على هذا النحو، وتقدير وجود المانع الذي يوقف سريان التقادم أو عدم وجوده، هو من المسائل المتعلقة بالواقع، والتي يستقل بها قاضي الموضوع مادام قد أقام قضاءه على أسباب سائغة.

مسميات وظيفية جديدة

ولفتت المحكمة إلى أن المادة 24 من القانون رقم 53 لسنة 2001 بشأن الإدارة العامة للتحقيقات تنص على أن «ينقل أعضاء الإدارة العامة للتحقيقات الموجودون بالخدمة وقت العمل بهذا القانون إلى الوظائف الجديدة المعادلة لوظائفهم الواردة في المادة الثانية من القانون، مع احتفاظهم بأقدميتهم في هذه الوظائف، ويتقاضى كل منهم مرتب الوظيفة المنقول إليها أو المرتب الأساسي الذي يتقاضاه عند العمل بهذا القانون أيهما أكبر»، کما تنص المادة 25 من القانون ذاته على أن «يخضع أعضاء الإدارة العامة للتحقيقات في كل ما لم يرد به نص في هذا القانون للأحكام الواردة بالمرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية بالمرسوم الصادر في 4/4/1979 بشأن نظام الخدمة المدنية... الأمر الذي مفاده أن المشرع وضع بالقانون رقم 53 لسنة 2001، والمرسوم رقم 4 لسنة 2002 بشأن تحديد مرتبات وبدلات وعلاوات أعضاء الإدارة العامة للتحقيقات نظاما وظيفيا جديدا تناول بالتنظيم شؤونهم الوظيفية من تعيين وترقية وتحقيق وتأديب».

وبينت أن المشرع استحدث في المادة الثانية من القانون رقم 53 لسنة 2001 مسميات جديدة لوظائف الإدارة المذكورة على نحو يغاير تلك التي وردت في نظامهم الوظيفي السابق الصادر به قرار مجلس الخدمة المدنية رقم 2 لسنة 1983، والمعدل بالقرار رقم 6 لسنة 1997، كما نص في المادة 24 منه على حكم انتقالي مؤقت لنقل شاغلي الوظائف من أعضاء الإدارة العامة للتحقيقات ممن كانوا بالخدمة في تاريخ العمل بالقانون في 1/10/2001 إلى الوظائف الجديدة المعادلة لها والواردة في المادة الثانية من القانون.

الاحتفاظ بالأقدمية

وتابعت المحكمة: «بمقتضى هذا الحكم الانتقالي قرر المشرع فيه نقل كل أعضاء الإدارة العامة للتحقيقات ممن كانوا بالخدمة في تاريخ العمل بالقانون في 1/10/2001 إلى الوظائف الجديدة المعادلة لها والواردة في المادة الثانية من القانون، واحتفاظهم بأقدميتهم في وظائفهم المنقولين منها، ويستوي في تطبيق هذا الحكم الانتقالي أن يكون شاغلو وظائف التحقيق بالإدارة قبل صدور قانون الإدارة الجديد من ضباط الشرطة ذوي الرتب العسكرية المنصوص عليها في القانون رقم 23 لسنة 1968 بشأن نظام قوة الشرطة أو من زملائهم المدنيين شاغلي وظائف التحقيق بالإدارة قبل العمل بالقانون الجديد للإدارة، كما لا يشترط لتطبيق هذا الحكم الانتقالي على ضباط الشرطة شاغلي وظائف التحقيق بالإدارة قبل تاريخ العمل بالقانون الجديد وجوب حصولهم على المؤهل الدراسي المطلوب لشغل وظائف التحقيق بالإدارة في القانون الجديد، طالما كانوا مستوفين لهذا الشرط (المؤهل الدراسي) وفقا للقانون القديم للإدارة والساري بشأنهم وقت شغلهم لوظائف التحقيق بالإدارة».

الدستورية

وأضافت: «لما كان ما تقدم، وكان نصا المادتين رقمي 24 من القانون رقم 53 لسنة 2001 بشأن الإدارة العامة للتحقيقات، و14 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادرة بالقرار الوزاري رقم 388 لسنة 2004، وما اشتملتا عليه من وجوب استيفاء ضباط الشرطة ممن يعينون في إحدى هذه الوظائف الواردة بالمادة الثانية من القانون رقم 53 لسنة 2001 بشأن الإدارة العامة للتحقيقات؛ لشرط حصولهم على إجازة الحقوق أو الحقوق والشريعة، إنما ينصرف سريانه اعتبارا من تاريخ صدور هذا القانون في 1/10/2001؛ لمن يعين تعيينا جديدا في إحدى الوظائف المشار إليها، ولا ينسحب سريان تطبيق هذا القانون بأثر رجعي على من تم تعيينهم من ضباط الشرطة المحققين بالإدارة العامة للتحقيقات، واستقرت أوضاعهم ومراكزهم الوظيفية قبل صدور هذا القانون، وذلك إعمالا للحجية المطلقة لأسباب الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بجلسة 19/12/2018 في الدعوى الدستورية رقم 5 لسنة 2018 دستوري، والتي أقام عليها قضاءه والمرتبطة بمنطوقه ارتباطا لا يقبل التجزئة، على النحو المبين سلفا».

أثر رجعي

وأردفت المحكمة: «نزولا على ما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده من حملة إجازة الشريعة والدراسات الإسلامية، وكان يعمل ملازما أول بوزارة الداخلية، ثم نقل إلى الإدارة العامة للتحقيقات بموجب القرار الوزاري رقم 631 لسنة 2001، ومنح صفة التحقيق بالقرار رقم 1430 لسنة 2001، وباشر عمله كمحقق بهذه الإدارة، واستقر وضعه الوظيفي بها قبل صدور القانون رقم 53 لسنة 2001 المشار إليه، فلا ريب - والحال كذلك - أن المطعون ضده قد اكتسب مركزا قانونيا نشأ واكتملت أركانه واستقر قبل صدور قانون الإدارة رقم 53/2001، ومن ثم لا يسري عليه ما اشترطه المشرع في هذا القانون من وجوب حصول شاغلي وظائف التحقيق بالإدارة من ضباط الشرطة وغيرهم على مؤهل إجازة الحقوق أو الحقوق والشريعة، إذ لم تتضمن النصوص الصادرة في هذا الشأن النص على سريانها بأثر رجعي على الحالات السابقة على تاريخ العمل بالقانون رقم 53/2001 سالف الذكر، والمعمول به اعتبارا من 1/10/2001، الأمر الذي كان يتوجب معه على جهة الإدارة تسكين المطعون ضده على وظيفة من وظائف التحقيق بالإدارة معادلة للوظيفة التي كان يشغلها قبل العمل بأحكام القانون رقم 53/2001».

وأضافت: «وإذ امتنعت جهة الإدارة عن القيام بذلك دون سند من القانون، فإن هذا المسلك من جانبها يشكل قرارا سلبيا بالامتناع غير مشروع لفقدانه سببه القانوني الصحيح المبرر له، مما يستوجب القضاء بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها تسكين المطعون ضده على وظيفة من وظائف التحقيق بالإدارة العامة للتحقيقات معادلة لوظيفته ودرجته التي كان يشغلها بذات الإدارة قبل العمل بأحكام القانون رقم 53/2001 المشار إليه، وصرف الحقوق المالية المترتبة على هذا التسكين، مع إعمال أحكام التقادم الخمسي دون التقادم الحولي، إذ إن أحقية المطعون ضده في المطالبة بالحقوق المالية المترتبة على التسكين مثار النزاع المعروض قد اكتنفها الغموض، لكون حقه في هذا التسكين - بحسبان أن هذا الحق هو مصدر الحقوق المالية المطالب بها - لم يستقر له على نحو يمكنه من أن يُحط بأصل حقوقه المالية المتعلقة على التسكين ومقدارها ومداها وكل عناصره على نحو جلي واضح، حتى تاريخ صدور حكم أول درجة بإجابته إلى طلبه بالتسكين في وظيفة محقق بالإدارة العامة للتحقيقات، وذلك لتعلق هذا التسكين مصدر الحقوق المالية المطالب بها بنصوص قانونية تضمنت أحكاما انتقالية جديدة اثارت لبسا في تطبيقها على نحو استدعى عرضها على المحكمة الدستورية - لما أثاره تطبيقها من شبهة عدم دستوريتها - والتي حسمت هذا الأمر بتحديد نطاق سريان هذه النصوص التي أوردها قانون الإدارة العامة للتحقيقات رقم 53/2001 على نحو ما قصده الشارع. منها، وبما ينأى بها عن الوقوع في حمأة مخالفة الدستور - وذلك على النحو الوارد تفصيلا بأسباب هذا الحكم - ثم عودة الأوراق إلى محكمة أول درجة لتقضي في موضوع النزاع المعروض في ضوء ما أورده حكم المحكمة الدستورية من أسباب أقام عليها قضاءه، الأمر الذي ينتفي معه القول بتوافر مناط إعمال أحكام التقادم الحولي على الحقوق المالية المطالب بها».

أحكام التقادم

قالت المحكمة إنه لا ينال مما تقدم الدفع بعدم سريان أحكام التقادم (الخمسي والحولي) المنصوص عليها في المادة 21 من المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية على الحقوق المالية المطالب بها، وذلك على سند من أن المطعون ضده من ضباط الشرطة ذوي الرتب العسكرية المنصوص عليها في القانون رقم 23 لسنة 1968 بشأن نظام قوة الشرطة، ومن ثم يسري بشأن تقادم الحقوق المالية له المطالب بها أحكام عدم السماع المنصوص عليها في القانون المدني بحسبانه الشريعة العامة فيما خلا قانون نظام قوة الشرطة المشار إليه من نص؛ دون أحكام قانون الخدمة المدنية، والذي لا يسري على العسكريين من أعضاء قوة الشرطة.

وأوضحت أن هذا الدفع مردود عليه بأن مصدر الحقوق المالية التي يطالب بها المطعون ضده هو أحقيته في التسكين على وظيفة محقق بالإدارة العامة التحقيقات معادلة لوظيفته السابقة بها، تطبيقا لحكم المادة 24 من القانون رقم 53 لسنة 2001 بشأن الإدارة، والذي يسري فيما خلا من تنظيمه قانون الخدمة المدنية بحسبانه الشريعة العامة لشاغلي الوظائف المدنية بالدولة، فالمعول عليه في تحديد الشريعة العامة (القانون المدني ام قانون الخدمة المدنية) التي تسري فيما خلا من تنظيمه نص القانون الخاص بشأن تقادم الحقوق المالية المطالب بها في النزاع المعروض، هو مصدر هذه الحقوق المالية المطالب بها، فإذا كان مصدرها قانون نظام قوة الشرطة فتسري في هذه الحالة أحكام عدم سماع الدعوى المنصوص عليها في القانون المدني، بحسبانه الشريعة العامة في هذا الشأن، أما إذا كان مصدر هذه الحقوق المالية المطالب بها - كما هو الحال في النزاع الماثل - هو وظيفة مدنية منصوص عليها في الهيكل الوظيفي لوظائف الإدارة العامة للتحقيقات، وينظمها قانون الإدارة العامة للتحقيقات (كادر خاص) رقم 53 لسنة 2001، فتضحى أحكام التقادم المنصوص عليها في المادة 21 من قانون الخدمة المدنية رقم 15 لسنة 1979 هي الشريعة العامة فيما خلا قانون الإدارة من تنظيمه بنص فيه، الأمر الذي يغدو معه هذا الدفع في غير محله متعينا طرحه جانبا والالتفات عنه.

حسين العبدالله

تحقق علم الموظف بحقه المالي ومداه وعناصره الأساسية وتاريخ استحقاقه يقطع التقادم فإن لم يتوافر العلم فلا تبدأ المدة
back to top