بوصلة: خطة عمل الحكومة
خطة العــمل هي وثيقة تحدد المهام والخطوات المطلوب تنفيذها بكفاءة وضمن إطار زمني محدد من أجل تحقيق أهداف الخطة الاستراتيجية للمؤسسة، وهي وسيلة اتصال تمثل تبسيطا شديدا للخطط والبرامج والمشاريع، ويتم تطوير خطة أو برنامج العمل بعد أن يتم تحديد رؤية المؤسسة ورسالتها وأهدافها واستراتيجياتها. فخطة العمل تحدد جميع الخطوات المطلوبة للوصول إلى المستهدفات الرئيسة، وتشمل عادةً التغييرات التي ستطرأ على القوانين واللوائح وإجراءات العمل، والجهة المنفذة للتغيير، وتاريخ البدء والانتهاء، والموارد المالية والبشرية المطلوبة، وآليات قياس نسبة الإنجاز وتقييم الأداء، وتختلف خطط العمل باختلاف القطاع المستهدف من حيث الميزانية والجداول الزمنية والتحديات، إلا أنها تتوافق بشكل عام مع الهيكل التنظيمي نفسه للخطة الاستراتيجية وتتبع رسالة المؤسسة ورؤيتها. فإذا اطلعنا على برنامج العمل الحكومي المقدم للمجلس النيابي مؤخراً، نجد أن البرنامج لم يحدد أي إطار زمني للبدء والانتهاء، ولم يحدد كذلك نسب الإنجاز المرتقبة، وآليات التقييم والقياس ونقاط الربط بينها وبين رؤية الكويت 2035 التي تستهدف تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار.
ولو أمعنا النظر أكثر في برنامج العمل لوجدنا أن هناك عدم تناسق بين المقومات والتحديات، والتعامل مع كل منها باستقلالية تامة بالرغم من التعارض والتشابك فيما بينها من حيث أسباب النشأة وعوامل استمراريتها، مما يصعب حلحلتها وحوكمتها، فعلى سبيل المثال، تم إدراج مشكلة التركيبة السكانية في برنامج العمل الحكومي ضمن المقومات الاجتماعية التي ترتكز عليها الكويت في البناء والتطوير، في حين تم وضع رأس المال البشري ضمن التحديات الرئيسة بالرغم من وجوده كجزء من التعداد السكاني المدرج تحت المقومات الاجتماعية! فالتركيبة السكانية المتوازنة تصلح أن تكون ضمن المقومات الاجتماعية كونها ستعالج التحديات الرئيسة المرتبطة بانخفاض إنتاجية القطاع العام، وضعف رأس المال البشري كما جاء في برنامج العمل، فإذا قامت الحكومة بالتركيز على تحد واحد (كالتركيبة السكانية) ومعالجة اختلالاته، فسيسهم ذلك في حل المعوقات الأخرى، فلا يمكن تعديل الخلل في التركيبة السكانية الحالية بمعزل عن تركيبة القوى العاملة ورأس المال البشري الموجود في البلد بناء على التركيبة العمالية للقطاعات الاقتصادية والصناعية والطبية والتعليمية والإنشائية والخدمية بالدولة، فتعديل التركيبة السكانية مرتكز أساسي في رؤية الكويت، ومكون رئيس في خطط التنمية وبرامج عمل الحكومة، كونها ترتبط بإعادة هيكلة مؤسسات الحكومة ومختلف قطاعات الدولة بعد التعرف على الحاجة الفعلية لسوق العمل من مؤهلات وخبرات تلبي متطلبات الخطة الاستراتيجية وبرنامج العمل، وذلك من خلال تحليل التركيبة العمالية الحالية وتقسيمها إلى شرائح وفق المؤهلات والخبرات والمهارات، للتعرف على مدى مواءمتها للمتطلبات الجديدة لسوق العمل. فالتركيبة السكانية غير المتوازنة هي انعكاس حقيقي للوضع الاقتصادي القائم حالياً، والذي هو بحاجة ماسة للتنويع والتجديد وإعادة هيكلة حتى يواكب رؤية الدولة واستراتيجيتها وهويتها الاقتصادية، فالتركيبة السكانية غير المتوافقة مع رؤية وهوية الدولة الاقتصادية هي نتيجة طبيعية للاختلالات الهيكلية في قطاعاتها المختلفة، فلا يمكن التعامل معها بمعزل عن أسباب نشأتها. مثال آخر يمكن أن تركز عليه الحكومة في برنامج عملها يرتبط بالمحور الثالث: "تطوير رأس المال البشري"، حيث جاء في أحد مستهدفاته: "رعاية صحية عالية الجودة" من دون الإشارة إلى أي خطة استراتيجية لتحويل العلاج في الخارج إلى الداخل أو حتى إطلاق شعار "العلاج في الداخل" الذي سيسهم في تحويل الكويت إلى مركز إقليمي للرعاية الصحية بجانب معالجته جانبا كبيرا من اختلالات المالية العامة لما توفره هذه الخطوة من مليارات العلاج بالخارج، وجذبه للاستثمارات المحلية والأجنبية، ومساهمته في تحسين إنتاجية رأس المال البشري بمختلف قطاعات الدولة.إن شعار "استدامة الرخاء" الذي أطلقته الحكومة على برنامج عملها للسنوات الخمس القادمة، بحاجة إلى أهداف ذكية متجانسة ومترابطة، وحلول مبتكرة وشاملة، قابلة للقياس والتطبيق على الأرض ضمن أولويات متسلسلة ومحددة زمنياً.