توضح تفاصيل المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أواخر الأسبوع الماضي أن النقاش بين الطرفَين لم يُحقق الكثير، ويصعب توقّع أي مسار واضح لمتابعة المفاوضات التي أطلقتها واشنطن وموسكو في جنيف لحل الأزمة القائمة على حدود أوكرانيا مع روسيا، إذ يريد الكرملين من خلال هذه المحادثات أن يحصل على ضمانات قانونية للأمن الروسي في أقرب نطاقات نفوذه، تزامناً مع توسّع التحالف الأمني المناهض للسوفيات بقيادة الناتو شرقاً، حيث ينشغل ألمع الدبلوماسيين بالتفكير بكيفية تحقيق هذا الهدف مع بدء الاستعدادات للمحادثات في الأسبوع المقبل.لا تزال المكالمات عبر الخط الساخن من ركائز العلاقات الدولية رغم تغيّر العالم منذ فترة الخمسينيات التي شهدت ذروة الجهود الدبلوماسية بين القوى العظمى، فاليوم، تزداد أهمية علم الأعداد في الدبلوماسية الدولية، وتُعتبر الاجتماعات والنقاشات الثنائية من أكثر اللقاءات احتداماً وسرعة على الساحة الدولية،
فقد زادت صعوبة اللقاءات الأربعة التي عقدها بايدن مع بوتين في عام 2021 مع كل اجتماع جديد، وأوضح الرئيس الروسي أنه لا يهتم إلا بالتعامل مع الولايات المتحدة، فهو يريد أن يعيد صياغة الظروف التي نشأت بعد الحرب الباردة بطرقٍ تضمن التخلص من أصعب التجاوزات الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفياتي قبل ثلاثة عقود.استُعمِلت هذه الصيغة الثنائية أيضاً لعقد نقاشات بين بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ، ومجدداً فضّل الزعيم الصيني حصر النقاش بلقاء مباشر بين الرئيسَين، لكن لا داعي أن يقتصر النقاش خلال اللقاءات الثنائية على المواجهات المحتملة، فحين وقّعت إيطاليا وفرنسا على معاهدة في نوفمبر، كان الاتفاق عبارة عن إعلان نوايا لتنسيق الجهود في إطار جبهة موحّدة داخل الاتحاد الأوروبي، وللانتقال إلى مستوى أعلى من اللقاءات، قد تنشأ مجموعات ثلاثية للتعامل مع اختلال التوازن الدولي.عندما أسّست أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة تحالف "أوكوس" في السنة الماضية، نشأ شكل لافت من الاتفاقيات، وانطلاقاً من الحاجة إلى تقاسم التكنولوجيا النووية التي يُفترض أن تُستعمَل في عمليات بحرية أسترالية واسعة، يبدو هذا الاتفاق شكلاً جديداً من الدينامية الدفاعية.تبقى التحالفات الرباعية الأكثر شيوعاً على الساحة الدولية، لكن لا يمكن إخفاء اللعنة التي ترافقها في حالات كثيرة، حيث تشمل أبرز صيغة رباعية الاجتماعات التي حصلت بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، وقد تكون الهند ركيزة أساسية من "حركة عدم الانحياز" التي نشأت في حقبة الحرب الباردة (ما يعني أنها لا تنحاز إلى تجمّع معيّن أو قوة عظمى دون سواها)، لكنها دعمت هذه الصيغة بكل حماس. طرحت ملاحظة صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية في الأسبوع الماضي تحديثاً لآخر تحالف رباعي يُكثّف مشاوراته حول المسائل العاجلة، حيث دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وناقشت هذه المجموعة الأزمة المتفاقمة على الحدود الروسية الأوكرانية، وتقاسمت مخاوفها من أي تطورات مستجدة في برنامج إيران النووي، والجهود المتواصلة في ليبيا لتنظيم انتخابات وطنية، والخلاف الدبلوماسي بين الصين وليتوانيا.لم تُحقق المحادثات النووية الإيرانية في فيينا التقدم الذي يتمناه الدبلوماسيون، فقد اشتق الاتفاق النووي في عام 2015 من تجمّع سداسي يشمل دولاً أوروبية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بالإضافة إلى الصين وروسيا والولايات المتحدة، وقد انسحبت واشنطن من ذلك الاتفاق في عام 2018، مع أن المحادثات في العاصمة النمساوية تتمحور حول إعادة الولايات المتحدة إليه.ورغم استمرار جهود اللقاءات السداسية، كان انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2019 كفيلاً بدفع تلك الدول إلى التخلي عن الأطراف المشارِكة في عملياتها السابقة بدرجات متفاوتة، فمن خلال تشكيل هذا النوع من المجموعات، نجحت الولايات المتحدة حتماً في زيادة ثقلها في الجهود الدبلوماسية، ولا مجال للخطأ في المحادثات الثنائية المباشرة، لكن إلى أي حد يُعتبر العمل في الأوساط الخارجية فاعلاً؟ قد لا يكون تجنّب لعنة التحالفات الرباعية ممكناً.* داميان ماكلروي
مقالات
علم الأعداد هو العيب الخفي في الدبلوماسية الأميركية
12-01-2022