يتوسع هامش الأزمات اللبنانية، ويشتد الصراع بأبعاد سياسية داخلية وإقليمية. وتشخص أنظار اللبنانيين إلى أزمات متفجرة ومتعددة، أولها أزمة تدهور الليرة اللبنانية بوتيرة متسارعة، إذ لامس سعر صرف الدولار 33 ألف ليرة لبنانية، في مؤشر على المنحى التصاعدي الكبير للانهيار، والذي قد ينتج أزمات متعددة تقود إلى انفجار اجتماعي.وثانيها الأزمة الإقليمية التي تأخذ أبعاداً خطرة في ظل تحويل بيروت إلى منصة لإطلاق المواقف الهجومية تجاه الدول الخليجية، خصوصاً في اللقاء الذي تعقده المعارضة السعودية برعاية حزب الله في الضاحية الجنوبية، وستتخلله مواقف عنيفة ضد المملكة.
ثالثها، استمرار الأزمة السياسية بين الأفرقاء، وسط عجز أي حوار عن الوصول إلى الحلول المطلوبة، ورابعها كانت الأنظار متجهة إلى نتائج زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى مصر، والذي تلقى وعداً من الرئيس عبدالفتاح السيسي بتسهيل إيصال الغاز المصري إلى لبنان، كما بحث ميقاتي مع الأردنيين والمصريين إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية لتحسين التغذية الكهربائية.ولا يزال رئيس الجمهورية ميشال عون يبحث عن فرص عقد طاولة الحوار، لكنه بحال أصر عليها فستكون طاولة مبتورة، ولعّل أبرز من عبّر عن ذلك كان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي زار عون في القصر الجمهوري وعقد معه لقاء ثنائياً، لكنه أعلن رفضه المشاركة في طاولة الحوار في ظل مقاطعة الأفرقاء المختلفين لها، وقال: «الحوار عادة يكون بين طرفين مختلفين، فهل يمكن أن نأتي لنتحاور مع بعضنا؟»وتمثّل إشارة فرنجية موقفاً ضمنياً لرفض المشاركة بالحوار، في ظل مقاطعة سعد الحريري، وسمير جعجع، ووليد جنبلاط، وآخرين.
وقد أصر عون على اللقاءات الثنائية، بهدف استمزاج آراء رؤساء الكتل لمعرفة إذا ما كان سيمضي في دعوته أم سيعزف عنها، القرار النهائي يفترض بعون أن يتخذه اليوم، بعد لقاء سيجمعه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وسوف يكون اللقاء مناسبة للتشاور بين الرجلين، بعد أشهر من القطيعة والخلافات السياسية العنيفة بينهما، وقد يفتح الطريق أمام الدخول في مشاورات ومفاوضات ثنائية بينهما للاتفاق على تسوية سياسية تؤدي إلى تفعيل عمل الحكومة مجدداً. بينما هناك معارضون للطرفين يعتبرون أن أي تسوية أو صفقة يمكن الوصول إليها ستكون تداعياتها سلبية على المواطنين اللبنانيين، لأنها ستؤدي إلى المقايضة بين ملفات قضائية وإدارية ومالية مقابل مصالح ومكاسب سياسية تستفيد منها القوى المتخاصمة والمتفاوضة على حساب اللبنانيين. ويفترض بلقاء عون وبري أن يؤثر على مجريات التحركات التي دعا إليها اتحاد السائقين العموميين الذين يريدون تنفيذ تحركات احتجاجية في كل المناطق اللبنانية، وسيعملون على إقفال الطرقات الرئيسية في البلاد، للمطالبة بإصلاحات اقتصادية ومالية واحتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار المحروقات. وفي حال تحققت نقاط إيجابية بين عون وبري يمكن أن يتم التخفيف من حدة التحركات والتظاهرات، أما في حال استمر الأفق مسدوداً، فإن التحرك سيكون تصعيدياً.في لقاءاته، شدد عون على ضرورة إعادة عقد جلسات مجلس الوزراء، وهو يصرّ على تفعيلها لأجل اتخاذ قرارات وإقرار مراسيم تتعلّق برواتب المتعاقدين مع القطاع العام، وهذه ملفات حساسة وتمسّ لقمة عيش المواطن، وحاول عون إقناع الأفرقاء بضرورة العودة إلى الحكومة، وهو موقف ينسجم مع الرسالة التي تبلّغها عون من السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، التي نقلت له رسالة دعم من فرنسا رئيسا وحكومة وشعبا الى لبنان وشعبه، بأن باريس تقف الى جانبهما، وأشارت الى «ضرورة عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد، وإلى أهمية تقدّم المفاوضات المالية والاقتصادية لما فيه مصلحة لبنان، إضافة الى وجوب استمرار التحضيرات لإجراء الانتخابات النيابية في أجواء سليمة». ورحبت بالدعوة الى الحوار التي وجهها الرئيس عون، وتمنت أن «يتمكن لبنان من العمل على تخطي كل الأزمات التي يواجهها، من خلال تضامن اللبنانيين ووحدتهم».وفي إطار التصعيد، جاءت خطوة النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون بإصدارها مذكرة منع سفر بحرا وبرا وجوا بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وذلك بناءً على شكوى مقدمة من الدائرة القانونية لمجموعة الشعب يريد إصلاح النظام، ممثلة بالمحاميين هيثم عزو وبيار الجميل.