بانتظار نتائج أسبوع طويل وصعب من المفاوضات بين موسكو من جهة وواشنطن وحلفائها الأوروبيين والأطلسيين من الجهة الأخرى، حول خفض التوتر بين الطرفين، بما في ذلك سحب فتيل التوتر من الملف الأوكراني، رسم خبراء سيناريوهات مخيفة لأي غزو روسي محتمل لأوكرانيا، محذرين من أن هذه الخطوة قد تؤدي في حال حدوثها، إلى أكبر حرب يشهدها العالم منذ حرب العراق عام 2003.رغم ذلك، تساءل الخبراء في تقرير تحليلي نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية إذا كان يمكن لموسكو أن تحقق نصراً عسكرياً دائماً.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 100 ألف جندي روسي يحتشدون قرب حدود أوكرانيا. ومع ذلك، يقول الخبراء الذين يتابعون الأزمة عن كثب، أنه من أجل غزو البلد بأكمله، يجب أن يتضاعف هذا العدد، مشيرين إلى أنه سيشمل قوات تمر عبر بيلاروس.وأوضح الباحث في معهد "أميركان إنتربرايز"، فريد كاغان، أن "غزواً بهذا الحجم لم يشهده العالم منذ عام 2003 خلال حرب العراق، سيحتاج إلى نحو 200 ألف جندي".وتوقع كاغان أن روسيا بإمكانها الانتهاء من جمع ذلك الحشد بنهاية الشهر الجاري، مضيفاً أن الأمر المثير للتحدي بالنسبة لبوتين، هو قدرة قواته على مواجهة، أي عمليات مسلحة داخل الأراضي الأوكرانية، بعد احتلال العاصمة كييف.وأفاد كاغان في ورقة بحث شارك في كتابتها مع خبراء آخرين بأن العملية الحاسمة لاحتلال أوكرانيا تتطلب مقاتلاً واحداً مقابل كل 20 مواطناً أوكرانياً، لافتاً إلى أن روسيا ستحتاج لاحقاً إلى وجود 325 ألف فرد للسيطرة على كييف والمدن الرئيسية في الجنوب والشرق، وسحق حركات المقاومة المحتملة.
«المقاومة المسلحة»
ووفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) يبلغ عدد جيش أوكرانيا 145 ألف عنصر، لكن هناك أيضاً ما يقدر بنحو 300 ألف من قدامى المحاربين ممن يشاركون في الصراع المنخفض الحدة في إقليم دونباس شرق البلاد، الذي يسيطر عليه الانفصاليون الموالون لموسكو. وأشار استطلاع رأي حديث إلى أن ثلث مواطني أوكرانيا سيكونون على استعداد لخوض غمار "المقاومة المسلحة" ضد أي احتلال روسي قادم.من جانب آخر، قال روب لي وهو ضابط سابق في مشاة البحرية الأميركية وزميل في معهد أبحاث السياسة الخارجية إن "روسيا تمتلك القدرة على تدمير الوحدات العسكرية الأوكرانية من بعيد باستخدام صواريخ "إسكندر" البالستية والتي تمنح موسكو القدرة على حصد آلاف الضحايا يومياً". في السياق نفسه، يرى الباحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية، سمير يوري، الذي أمضى العام السابق مراقباً للصراع في أوكرانيا، أنه "من الصعب تخيل غزو كامل من دون استخدام القوة الجوية".وسيتعين على روسيا أيضاً أن تقرر كيفية التعامل مع المدن الأوكرانية بعد احتلالها لاسيما كييف، التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة ومدينة خاركيف في الشمال الشرقي، ويقطنها نحو 1.5 مليون نسمة.وفي هذا الصدد يقول كاغان، مستشهداً بتدخل بوتين في الحرب الأهلية السورية: "حرب المدن صعبة وموسكو تخشاها خصوصاً أن لها تجارب قاسية خلال معاركها في مدينة حلب".ويقول محللون غربيون، إن "تطويق كييف" ليس بالأمر السهل. تقع النقاط الرئيسية للمدينة، بما في ذلك القصر الرئاسي، إلى الغرب من نهر دنيبر الذي يسهل الدفاع عنه، بالتالي ستسعى القوات الروسية من دبابات ومدرعات إلى تطويق كييف من الغرب من خلال عبور مستنقعات بريبيات، التي تتجمد في الشتاء.أما الخبير العسكري الأوكراني تاراس كوزيو، فيتوقع أن تلجأ روسيا إلى 3 خيارات عسكرية متتالية عوضاً عن غزو شامل وسريع، مشيراً إلى أن القوات الروسية في البداية سوف تدخل إقليم دونباس الذي يسيطر عليه الانفصاليون وضمه إلى روسيا.وبعد ذلك، وحسب كوزيو، فإن روسيا ستوسع نطاق الأراضي المحتلة عبر السيطرة على ممر بري داخل الأراضي الأوكرانية يربطها بشبه جزيرة القرم التي ضمتها في عام 2014، والثاني هو توسيع الأراضي المحتلة بممر بري إلى شبه جزيرة القرم التي سبق ضمها، والاستيلاء على مدينة ماريوبول الساحلية في إقليم دونيتسك، ومن ثم الاستيلاء على مواقع صناعية رئيسية أخرى ومحاولة إضعاف الجيش الأوكراني، وهنا يقول الباحث روب لي: "يمكنهم تدمير طائرات تي بي 2 التركية بدون طيار والمدفعية في دونباس"في حملة علنية محدودة تهدف إلى إضعاف أوكرانيا.وقال كوزيو، إن الخيار الأخير "يتمثل في "إحياء مشروع روسيا الجديدة لعام 2014 الذي سيقوم على عزل أوكرانيا عن البحر الأسود، وهذا من شأنه أن يرقى إلى الاستيلاء على الجنوب الأوكراني، واحتلال ميناء أوديسا ومدينة دنيبرو الصناعية".8 ساعات بجنيف
على صعيد آخر، وفي أعقاب اجتماع استمر نحو 8 ساعات في جنيف، لم يبد المفاوضون الروس والأميركيون أي علامة على تقليص حجم خلافاتهم حول الضمانات الأمنية التي طالب بها بوتين والتي باتت موسكو تربط ضمناً بين الحصول عليها مقابل تخفيص التوتر على الحدود مع أوكرانيا.وفي ظل صمت أميركي، قالت مصادر روسية إن الولايات المتحدة وعدت بتسليم روسيا رداً مكتوباً على مقترحات بوتين الأسبوع المقبل أي بعد الاجتماع الذي سيعقد اليوم بين حلف شمال الأطلسي وروسيا في بروكسل والاجتماع الروسي الاوروبي في فيينا غداً، والذي يتوقّع أن يكونا صعبين جداً.وفي كييف دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عند استقباله مستشارين للرئيس الفرنسي والمستشار الألماني، أمس، إلى قمة رباعية مع موسكو وباريس وبرلين لإنقاذ بلاده وإنهاء الصراع الذي تخوضه القوات الحكومية مع الانفصاليين الموالين لروسيا في الدونباس.ورحّب زيلينسكي بالجهود التي يواصل شركاء أوكرانيا في صيغة نورماندي بذلها من أجل التنفيذ العملي للاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال قمة باريس في ديسمبر 2019.وشدد على أن "الوقت قد حان لإجراء مفاوضات موضوعية لإنهاء الصراع، ونحن مستعدون لاتخاذ القرارات اللازمة خلال القمة الجديدة لزعماء الدول الأربع".تدريبات عسكرية
في غضون ذلك، أعلنت الدائرة العسكرية الغربية في روسيا، أمس، أنها أرسلت نحو 3 آلاف جندي إلى مقاطعات فورونيغ وبيلغورود وبريانسك وسمولينسك في وسط البلاد وجنوب غربها للمشاركة في تدريبات عسكرية.