مع ولادة حكومة جديدة، ينتظر الجميع إنجازات وخطوات مهمة نحو إصلاح اقتصادي عميق ومطلوب، ولعل برنامج الحكومة القديم الجديد يتحدث بصفحته الأولى عن رؤية الكويت عام 2035، وهي تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار، يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي. ولكي نحقق هذا الرؤية يجب أن تنظر الحكومة جديا لأسباب فشل هذا الشعار المستهلك بالسابق وهي كثيرة، منها عدم الجدية في تحرير الاقتصاد وتقليل حجم القطاع العام المتضخم وغيرها من أمور، لكن من بين الأسباب الخفية لعدم تحقيق هذه الرؤية عدم تناغم المؤسسات الحكومية وتصرف كل منها وكأنها في عالم آخر.ولعل من أبرز المؤسسات التي تقف عائقا أمام تحقيق هذه الرؤية هي وزارة الداخلية، لأنها مازالت تتصرف بعقلية أمنية مفرطة ومتحجرة لم تعد تواكب هذا العصر ولا رؤية الحكومة الاقتصادية. وآخر مظاهر هذا التحجر هو قرار منع تجديد رخص القيادة للوافدين إلا بعد تحديث البيانات لدى هيئة القوى العاملة، والذي نفته الوزارة بعد أسبوع كامل من اللغط والقيل والقال، بالرغم من أن الوقائع التي بينتها «الجريدة»، في تقاريرها، تؤكد صحته. وبغض النظر عن صحة صدور القرار من عدمه، فإن مجرد التفكير بهذا الإجراء هو بحد ذاته يعطي دليل على بُعد «الداخلية» عن الواقع والمنطق والرؤية الاقتصادية التي تتمنى الحكومة تحقيقها. فيستحيل تحويل الكويت لمركز مالي وتجاري وجذب الاستثمار الأجنبي وجعل القطاع الخاص يقود النشاط الاقتصادي مع هذا التضييق المستمر على الوافدين، في وقت تتخذ بعض دول الخليج قرارات غير مسبوقة تهدف لتسهيل حياة الوافدين وتشجعهم على الإقامة والاستثمار والإنفاق فيها بدلا من تحويل الأموال للخارج، لما لهذه القرارات من فائدة اقتصادية كبيرة لهذه الدول.
كما أن ربط رخص القيادة بالراتب والمؤهل الدراسي والمسمى الوظيفي هو أساسا إجراء متخلف، لأن أغلب العمالة الفنية الماهرة ليس لديهم مؤهل دراسي ومدخولهم متغير، وتصعيب سبل التنقل عليهم يعني تأخير تقديم الخدمات للناس وزيادة أسعارها، وإذا كانت «الداخلية» تريد حل الأزمة المرورية فهذا لا يكون بمثل هذا الإجراء الخاطئ، لأنه مرتبط بأمور أخرى، مثل حل أزمة السكن الذي يتطلب تحرير الأراضي، وتعديل التركيبة السكانية الذي يتطلب تحرير الاقتصاد وتخفيض حجم القطاع العام وتوجيه المواطنين للقطاع الخاص والعمل الحر، وإيجاد مراكز عمل في المناطق الجديدة بدلا من تركيزها في العاصمة، وكل هذه الأمور بحاجة إلى سلسلة من الإجراءات التي تتطلب رؤية حكومية متكاملة لا منفردة.ولعل سبب استمرار اتخاذ مثل هذه القرارات لأن قيادات الداخلية «مو هامهم» إذا صار البلد بيئة جاذبة للاستثمار أم لا، لأن رواتبهم ومميزاتهم مستمرة، سواء قاموا بتسهيل الإجراءات على المواطنين والمقيمين أو لم يقوموا بذلك. وعلى أثر ذلك، فالمطلوب من رئيس الوزراء اليوم ربط بقاء القياديين في مختلف أجهزة الدولة وحصولهم على مكافآتهم السنوية بمدى تقدم الكويت في مؤشر بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات وجذب الاستثمار الأجنبي، حتى تشعر كل مؤسسة بحاجتها إلى اتخاذ إجراءات تصب في تحقيق هذه الرؤية بدلا من الوضع الحالي الذي لا تتم فيه معاقبة أي مؤسسة تعمل ضد هذا التوجه.ومطلوب من مجلس الأمة إلغاء قانون الكفيل الاستعبادي، الذي يعد من أكبر مصادر الفساد، وسن تشريع يعطي المقيم كامل الحقوق الإنسانية، مثل حق إصدار رخصة القيادة وفتح نشاط تجاري منفردا وغيرهما من حقوق دون ربطها بمؤهل دراسي أو راتب، لكن مع فرض ضريبة سنوية معقولة حسب مدخول كل شخص، حتى نسهل تقديم الخدمات في البلد، وتوجيه أموال المقيمين للإنفاق الداخلي بدلا من تحويلها للخارج، وتستفيد الدولة من إيرادات ضريبية لتعزيز ميزانيتها، ونتخلص من البيروقراطية القاتلة في الداخلية والقوى العاملة في مراقبة مسميات ورواتب المقيمين، وما يصاحب ذلك من فساد معروف للجميع. فالمقيم إنسان يستحق حياة كريمة وحرية في التنقل بالوسيلة التي يختارها، وليس مجرد عبد يقوم بخدمة المواطن دون التمتع بأي حقوق.
مقالات
وجهة نظر: عقلية «الداخلية» المتحجرة تعوق الإصلاح الاقتصادي
13-01-2022