6/6 : لأساتذتنا... مع التحية
استعرضت في مقالتين سابقتين كم كانت الدفعات الأولى من طلبة جامعة الكويت محظوظة بالأجواء المتوهجة لستينيات القرن الماضي، حيث حظيت الكويت بفيض ذلك التوهج، من خلال انتساب قامات عربية لامعة لهيئة التدريس بجامعة الكويت، وأثرتها بإمكانياتها العلمية وقدراتها الأكاديمية، وكانت مؤلفاتهم مراجعَ للدارسين العرب في كل مكان خارج الكويت، وأسسوا للمكانة الأكاديمية المتميزة للجامعة في حينه على النطاقين العربي والعالمي.كان مستوى تأهيل طلبة الجامعة عالياً استناداً إلى ثراء خلفياتهم الثقافية والسياسية، من خلال موجات الحراك السياسي والثقافي والديموقراطي محلياً وخارجياً، حيث تعمقت مداركهم الأيديولوجية، فضلاً عن ثقافاتهم الأدبية المستمدة من قراءاتهم لمعاصريهم من كبار الكُتاب والأدباء والشعراء العرب، حيث كانت كتبهم ملازمة للطلبة، مع شح مصادر الثقافة الأخرى المتوافرة لشباب اليوم، وتوافرت لذلك الجيل بحور من المعارف استُمدت من عمالقة الأدب والثقافة المعاصرين آنذاك، أمثال: طه حسين وعباس محمود العقاد ويوسف السباعي ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس وعبدالرحمن الشرقاوي ونوال السعداوي وأمينة السعيد وبنت الشاطئ، وغيرهم الكثيرين من نجوم الفكر والأدب والثقافة والصحافة العرب، الذين مثلت مؤلفاتهم وكتاباتهم الروافد الفكرية لعقول أبناء ذلك الزمان، وبعض الطلبة آنذاك كانوا نجوماً تتطلع للسطوع مستقبلاً في ميادين الأدب والسياسة والاقتصاد والتجارة والقانون والعلوم، ولا مجال لحصرهم في هذا المقال.وتدليلاً على رصانة البحث العلمي والتفاني الذي تحلت به الهيئة التدريسية بجامعة الكويت روى لي الأخ المحترم فيصل المرشد، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء في الكويت، والذي كان أحد النوابغ من طلبة الحقوق المؤسسين، القصة التالية عن الأستاذ الدكتور عبدالفتاح حسن الخبير الدستوري الأشهر وأحد طلائع أساتذة كلية الحقوق بجامعة الكويت عام 1967 ، وكان،
أطال الله في عمره، يتولى تدريس القانون الإداري، وهو أول من ألَّف كتاباً عن ذلك الفرع من القانون الكويتي، فمنذ أن وطئت قدماه الكلية حبس نفسه في مكتبتها، ليراجع جميع أعداد الجريدة الرسمية (الكويت اليوم)، وجرد منها الأنظمة الإدارية في البلاد، والقوانين والمراسيم والأوامر الأميرية والمراسيم بقوانين ومراسيم الضرورة وجميع القرارات التنظيمية واللوائح الإدارية والتنظيمية واللوائح التنفيذية للقوانين، وألَّف على ضوء هذا الكم المعلوماتي الوفير مؤلفه الدراسي الثري الذي كان مقرراً في الكلية.وأثناء محاضرة له عن القياديين والإدارة العليا، سأله الأخ فيصل المرشد عن القياديين، فقال الدكتور:"ليه بتسأل هذا السؤال؟".فأجاب الطالب: "ربما نحن نكون قياديين في المستقبل".وابتسم الأستاذ آملاً، وقال: "أرجو لكم ذلك إن شاء الله".ودارت الأيام، وتخرج الطلبة، وتوزعوا بين الميادين القانونية المختلفة، ودخل الأستاذ فيصل سلك القضاء، وعُيّن عام 1995 رئيساً للمحكمة الكلية التي تعتبر القوة الضاربة للمحاكم، وتتبعها محاكم المحافظات. وحدث أن زاره الأستاذ الدكتور عبدالفتاح بالمكتب، وبعد أن أكرم الطالب وفادة أستاذه، واحتسى قهوته المُحبَّبة، ذكَّره الأخ فيصل بتعليقه على كلامه، حين قال له: "يمكن نحن كطلبتك نصبح قياديين مستقبلاً". فابتسم معتزاً، وكأنه يتلمس آثار جهوده على طلابه النجباء.(انتهى الاقتباس).قامة كالأستاذ الدكتور عبدالفتاح حسن الخبير الدستوري الرصين وأمثاله من الرواد الأوائل، وبهذا الرصيد من التفاني العلمي واجب على أساتذة اليوم أن يحذوا حذوهم، وواجب على الكويت تكريمهم.***تغريدة:الأخ محمود النوري هو المبادر الأول بالتنسيق مع عمادة كلية العلوم الإدارية للاحتفاء باليوبيل الذهبي لخريجيها الأوائل عام 1971 ، فاستحق منا الشكر والعرفان.