من الصعب جداً أن نجد حكومة شريفة أو عفيفة أو نظيفة اليد في عالم مليء بالمغريات المادية والمعنوية في يومنا هذا، فقد تكون موجودة في أحلام اليقظة فقط، أو في المدينة الفاضلة حيث يكون أسوأ أنواع الرذائل أن توظف مواطنا لا ينفع الوظيفة، أو أن يصل إلى عمله متأخراً دقيقة واحدة، مثلاً، فما بالك بتوزير مزور شهادة الدكتوراه أو فاشل في الدراسة ومطرود من الجامعة أو سارق المال العام أو مطلوب للعدالة، فمن يهتم بالمسؤول عن هذه التعيينات العشوائية، ومن يهتم بالسائل؟ ودليلي على غياب حكومة شريفة في وقتنا الحاضر أنه حتى في الديموقراطيات العريقة العتيقة، مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من حكومات الدول المتقدمة، نجد حكومة تخدم الشعب، ولها برلمان شعبي يراقب حسن أداء هذه الحكومة ويحاسبها عند الانحراف، حتى لو كانت قمة في الأداء الحكومي، هم هكذا يريدون الكمال، وإذا كانت برلمانات تطبق القانون بالمسطرة والقلم لمحاسبة حكوماتها في الدول الغربية، فما المانع من وجود برلمانات في دول العالم الثالث حيث استشرى الفساد في أروقة إداراتها الرسمية، وحيث القوانين المزاجية تطبق على ناس وناس؟
نعم في دول العالم الثالث لا تبحث عن أسباب الانحرافات السياسية حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، ولا تستغرب إذا ما عرفت أن حكومة من حكوماته سحبت من المال العام مليارات الدولار الأميركية لدغدغة جيوب متخذي قرارات حاسمة من سياسيين أو قياديين فاسدين داخل هذه الحكومات أو خارجها، فتمرر هذه المليارات إلى قبيضة مقابل ترخيص الممنوع للحكومة أو أتباعها، أو منع التراخيص لمصالح معارضيها، أو عرقلة مشروع قانون لا يتوافق مع مصالحها، أو تشريع قانون أعوج أو غير دستوري ليكون حجر عثرة في طريق أي مشروع شعبوي مستقبلاً، ولا يهم أن يتواصل فتح حنفية المليارات من المال العام، طالما رغبت حكومة فاسدة في مواصلة أطماعها بتمرير تلك المشاريع، وطالما كانت خطط مثل هذه الحكومات تتضمن إغراء سياسيين من أتباع تيارات دينية أو أخذت صبغة عشائرية أو قبلية أو طائفية. وفي ظل سيطرة مثل هذه الحكومات على مصادر المال ومنافذ وسائل الإعلام، لا يقدر أحد على تغيير مفاهيم الناس الفاهمة وغير الفاهمة حول أهمية الضرائب، ليس في تجديد الدماء في خزائن الدولة فحسب، إنما في القضاء على الفساد والمفسدين أيضاً، فهي تقنع الجهلة أولاً عبر أبواقها التي تنعق بما لا ينفع ليل نهار حول مضار الضرائب على البسطاء ومنافعها للتجار والأغنياء والمتنفذين، على الرغم من أنه لا أحد من التجار أو الأغنياء أو المتنفذين تحدث عن أهمية الضرائب أو مضارها على شعوب هذه الحكومات، ولهذا لا يحق لأحد من شعوب هذه الحكومات بعد اليوم أن يلوم أي تاجر على احتكار أي بضاعة، أو على رفع أسعار أي سلعة، أو اغتصاب أي مناقصة، ولا ندري إن كانت البلادة قد أصابت شعوب حكومات فاسدة، أو أنها ملت من نصح حكوماتها وإرشادها إلى الصراط المستقيم، في الوقت الذي تتلذذ مثل هذه الحكومات بترديد قولها المأثور على مسامع تجار: ارجعي أيتها النفس الطماعة إلى السوق واعملي في تجارتك وادخلي في خزينتي، فهي في النهاية خزينتك، ولا تهابي الملامة من أحد فالناس طوع أصابعي.
مقالات - اضافات
بقايا خيال: أين الحكومة الشريفة العفيفة؟
14-01-2022