من صيد الخاطر: « إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة»
"إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة" مقولة عربية قديمة تقال مواربة لا مواجهة، يراد بها كلام موجه لشخص بعينه وليس لغيره، وعليه أن يفهم مقصده، وقد تداول العرب هذه المقولة نقلا عن عجز بيت شعر لسهل بن مالك الفزاري، قاله في محبوبته أخت الحارث بن لأم، وقد أراد سهل بهذه الأبيات الشعرية التودد والتقرب منها ولكن بطريقة غير مباشرة، ولهذا المثل حكاية.فقد خرج سهل بن مالك الفزاري يوما يريد الملك النعمان بن المنذر، فمر في طريقه ببعض أحياء طيء، فسأل عن سيدهم، فقيل له: إنه حارثة بن لأم، فقصده فلم يجده، فقالت له أخت حارثة من وراء خبائها: سيعود أخي بعد قليل، انزل على الرحب والسعة.نزل سهل فأكرمته، ثم بعد قليل خرجت له، فرأى فيها أجمل وأكمل النساء، فقد كانت عقيلة قومها، وسيدة نسائها، فوقع في نفسه منها شيء، وهو لا يدري كيف يخبرها بذلك.
جلس سهل في فناء الخباء، وهو يعلم بأنها ستسمعه، فأنشد قائلا:يا أُختَ البدو والحضارة كيف ترينَ في فتى فزارةأصبحَ يهوى حُرّةً معطارة إيّاكِ أعني، واسمعي يا جارةفلما سمعتْ قوله، عرفت أنه يعنيها، فردت عليه، قائلة: إنّي أقـــولُ يـا فتى فـــزارة لا أبتغي الزّوج ولا الدّعارةولا فراق أهل هذي الحارة فارحلْ إلى أهلك باستخارةفرد قائلا: وا سوءتاه، واللهِ ما أردت منكراً، فردت قائلة، بعد أن أحست وكأنها تسرعت برفضها له: صدقت، إذ إنه أعجبها كما أعجبته.ثم إن سهلاً واصل سيره طالبا النعمان، وبعد أن أنجز حاجته معه، وفي طريق عودته، نزل على أخيها حارثة، فأرسلت إليه، أن اخطبني من أخي إن كان لكَ بي حاجة، فخطبها، وتزوجها، وسار بها إلى قومه.ملحوظة: منقول بتصرف من التراث.