يقول المولى عز وجل: «الرَّحْمَٰنُ﴿۱﴾ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴿۲﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿۳﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿٤﴾».وانطلاقاً من هذه النعمة المسداة، إلى عباد الله وبعيداً عن اللغو الضائع أو الهدر الضار، أهدي إلى قرائي الأعزاء هذا البيان، عن فقرة وردت في مقالي الأحد الماضي، رداً على الصخب الإعلامي الذي أثير حول فقرة في هذا المقال بترت من المقال وعُزلت عما قبلها وما بعدها من معانٍ، لا يكتمل لها معنى إلا بهما، وأين أنا وأين ما أكتبه من آيات الله البينات، التي حُرفت إلى نقيض معناها عندما بترت من سياقها في قوله تعالى "لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ" و"ويل للمصلين"، وحذفت من الآية الأولى "وَأَنْتُمْ سُكَارَى"، فقد كانت هذه البداية في تحريم الخمر، وفقاً لمنهج الإسلام في التدرج في هذا الأمر، وفي غيره من أمور.
الفقرة المفترى عليهاحيث جاء في المقال الفقرة التالية: "ولكني على يقين من أنه لا يوجد مواطن كويتي واحد، على وجه الأرض مؤهل علمياً وخبرة لتولي وظيفة عامة يشغلها غير كويتي".وإفساحا للصدر في سياق استظهار ما تضمنته هذه الفقرة من عبارات فإن ما يسترعي النظر فيه إجمالاً هو التجني على الحقائق القانونية والمنطقية والواقعية، وهو التجني الذي يدين نفسه بنفسه دون حاجة في استشفافه إلى عميق نظر. ونجتزئ في هذا المقال بعضا من المآخذ على هذا الصخب الإعلامي بما نسوقه من أسباب في ما يلي:1- ما جاء في المقال من "أن التزام الدولة بتعيين المواطن الكويتي في الوظائف العامة هو التزام دستوري إعمالاً لأحكام المادة (26) من الدستور التي عرفت الوظيفة العامة بأنها خدمة وطنية".2- ما جاء في المقال من أن "غير الكويتيين يعينون استثناء كما قال الدكتور سامي الدريع– بحق- ولضرورة عدم وجود من يشغل هذه الوظائف من الكويتيين، وفي كل إعلان لشغل وظيفة ما، يذكر بأن الأولوية للكويتيين".3- وقد جاء بعد الفقرة المفترى عليها مباشرة ودون فاصل: "بل إنني أنزه كل مسؤول كويتي أن يكون قد فاته هذا الأمر فأصدر قراراً بتعيين غير كويتي واحد في وظيفة عامة تتوفر شرائطها القانونية من حيث المؤهل العلمي والخبرة النوعية والزمنية في مواطن كويتي واحد ليس في وظيفة مثلها أو أعلى منها".4- ويحاسب ديوان المحاسبة (هذا المسؤول) ويقع تحت طائلة المساءلة القانونية والتأديبية إن ثبت هذا الفعل عليه.5- بل يقع وزيره تحت المساءلة السياسية في مجلس الأمة... وأمام صاحب السمو الأمير... لمخالفة الوزير أو المسؤول التابع له لأحكام الدستور.وماذا بعد؟هل يتصور بعد كل ما قدمناه من الأسباب المتقدمة التي وردت في المقال، باعتبار الوظيفة العامة حقا أصيلاً للمواطن ولصيقاً به، وأن تعيين غير الكويتي استثناء لضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها، فضلاً عن مساءلة تأديبية وسياسية للمسؤول والوزير في حال تعيينهما غير كويتي في وظيفة يستحقها كويتي، هل يمكن أن يوجد على وجه الأرض كويتي واحد يستحق وظيفة يشغلها غير كويتي؟ وألا تعتبر الفقرة المفترى عليها هي نتيجة طبيعية لكل ما تقدم من أسباب، حيث لا يتصور غير ذلك، وحدث العاقل بما يعقل؟لقد أردت بهذا المقال وما سبقه من مقالات حول تكويت الوظائف أن أبين الحقيقة الغائبة عن البعض الذي تدغدغه المشاعر الوطنية، في نقاط على الحروف لأفرغ هذا المصطلح من دائرة الابتذال المضروبة حوله والمخنوقة به، في هذا المجتمع الزاخر بالقيم الإنسانية الرفيعة.ولا أكتم خشيتي من تداعي هذا المصطلح على ثقافة العمل الأصيلة في المجتمع الكويتي، وعلى القلعة العصماء لحرية الرأي وحق التعبير عنه في هذا المجتمع، وهي جوهر الحكم الديموقراطي ولحمته وسداه، باستلاب العقول وتغييبها عن الحقائق بإقامة جدار عازل بين المجتمع وبين قيمه الأخلاقية وموروثه الحضاري، فيتخلف المجتمع عن ركب العلم والمعرفة. وقد احتضنت «الجريدة» هذه القلعة العصماء منذ صدورها دون استعلاء على الآخر، فالعلم والمعرفة لا جنسية لهما، وللحديث بقية إن كان في العمر بقية، يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".
مقالات
في ظلال الدستور: وداعاً للقلعة العصماء حرية الرأي وحق التعبير عنه
16-01-2022