الفوضى والانتهازية في كازاخستان
إذا كانت أعمال الشغب وأشكال الاحتجاج الأعنف تغذيها مجموعات الظل، فليست هناك أسس قانونية تدعو لإدخال قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى كازاخستان، إذ سرعان ما تصاعدت الاحتجاجات على القضايا الاجتماعية والاقتصادية إلى معركة فوضوية بين القلة من أجل النفوذ السياسي.
سرعان ما تحولت الاحتجاجات التي اندلعت في 2 يناير في جميع أنحاء كازاخستان، إلى أعمال شغب امتدت إلى جميع المدن الرئيسة في البلاد، فماذا يريد المحتجون؟ وماذا ستكون نتيجة أسوأ اضطرابات مدنية شهِدتها البلاد منذ استقلالها عام 1991؟رغم أن السبب الأول وراء اندلاع الاحتجاجات هو تضاعف أسعار الوقود، سرعان ما طالب المتظاهرون بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، وفضلا عن ذلك، يريد المحتجون أن ينسحب الرئيس السابق، نور سلطان نزارباييف، من المشهد السياسي إلى الأبد.لقد تخلى نزارباييف، الذي حكم البلاد خلال الثلاثين عاما الأولى بعد حصولها على الاستقلال، عن الرئاسة في عام 2019؛ ولكن ليس قبل أن يطلق على نفسه لقب "زعيم الأمة"، ويضمن بذلك أنه سيُحكِم السيطرة على سياسة البلاد، وأسقط المتظاهرون تمثالا له في تالديكورغان، عاصمة منطقة ألماتي، وهم يهتفون بعبارة "شال كيت!" (أيها الرجل العجوز، غادر!).
وحتى 7 يناير، أودت الاشتباكات بحياة العشرات من مسؤولي إنفاذ القانون والمتظاهرين، وأعلن خليفة نزارباييف الذي اختاره هذا الأخير بنفسه، الرئيس قاسم جومارت توكاييف، عن حالة الطوارئ، وطلب المساعدة من الكرملين، وسرعان ما استجاب له الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونشر القوات الروسية للمساعدة في قمع الاحتجاجات، وأعطى توكاييف الإذن لقوات الأمن بـ"إطلاق النار على المتظاهرين دون سابق إنذار".ونظرا لأن الظروف على أرض الواقع تتغير على مدار الساعة، من السابق لأوانه التكهن بالنهاية التي ستؤول إليها المواجهات، ومع ذلك، فإن بعض الاستنتاجات الأولية ممكنة بالفعل.أولا، من الواضح أن السلطات أصيبت بالذعر عندما اندلعت الاحتجاجات؛ وإلا كيف يمكن تفسير دعوة توكاييف اليائسة للقوات الأجنبية لدخول البلاد حتى تفرض النظام؟ فَبَدل أن يعترف أن الاحتجاجات هي رد فعل غاضب على سياسات الحكومة، ومسألة يمكن التنبؤ بها، أثار شبح تدخل معتد من الخارج.ويدعي (توكاييف) أن مثيري الشغب تلقوا تدريبات مكثفة في الخارج، وفي مناشدته لأعضاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، أصر على أن حكومته بحاجة إلى المساعدة للتغلب على "تهديد إرهابي"، ولكن الأساس المنطقي لمناشدة منظمة معاهدة الأمن الجماعي يظل موضع تساؤل: لماذا ستكلِّف أي دولة أخرى نفسها عناء تقديم "تدريب صارم" إلى "تشكيلات العصابات" بهدف خلق اضطرابات في المراكز الإقليمية لكازاخستان؟وقد قام توكاييف بخطوة خطيرة بدعوته لبوتين، فماذا سيحدث إذا بدأ المظليون الروس بقتل النساء أو الأطفال الكازاخستانيين، أو إذا تحطمت مروحية عسكرية روسية في منطقة مكتظة بالسكان؟ أيُّ حدثٍ من هذا القبيل من شأنه أن يعمق الأزمة، وكذلك من حجم التدخل الروسي، والواقع أنه من الصعب أن نتخيل أن وجود "قوات حفظ السلام" التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي يمكن أن تفعل شيئا آخر بخلاف تأجيج الموقف، وإيقاظ المشاعر المعادية لروسيا والقومية في كازاخستان.ويبدو واضحا أن القضية الحقيقية تتعلق بكفاءة الحكومة وشرعيتها، فلماذا لا تستطيع السلطات إدارة الاحتجاجات بمفردها رغم وجود قوات شرطة وأمن تلقت تدريبا جيداً وجيش مجهز بالكامل؟ فعلى الأرجح أنه كان بإمكانها أن تفعل ذلك، بيد أنه من خلال السعي للحصول على مساعدة بوتين، يأمل توكاييف تشكيل الوضع الداخلي بطرق تدعم حكمه في مواجهة الفصائل المنافسة، وبالفعل، من الواضح أنه قلق بعد أن أمر باحتجاز كريم ماسيموف، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي، للاشتباه في الخيانة.وعلى الرغم من أن الاحتجاجات والتجمعات كانت في البداية سلمية نسبيا، وكانت تتألف في الغالب من الشباب من النساء والرجال، فقد ظهرت مجموعات منظمة في 4 يناير، وبدأت بالاستيلاء على المستودعات والأسلحة، والموقف الرسمي للحكومة هو أن هذه الجماعات تتألف من مرتزقة أجانب، ولكن هذا الادعاء يسقط أمام التمحيص، وبما أن كازاخستان تُجاور بلدي، لدي معلومات مباشرة تفيد بأنها توفر حراسة فعالة للحدود، وإن فكرة أن الآلاف من الأجانب يمكن أن يظهروا فجأة في البلاد دون أن تكتشف الحكومة ذلك، مجرد هراء. ومن الأرجح أن تكون هذه المجموعات شبه العسكرية قد تلقت تدريبا خاصا وتمويلا من حكومة القلة المحلية التي تسعى للتأثير على الأحداث لصالحها. ووفقا لمسؤولين كازاخستانيين سابقين تحدثت معهم، قدم مسؤولون يتولون مراكز السلطة حاليا جزءا من هذا الدعم، ومؤخراً، أقر يرموخاميت يرتيسباييف، وزير الإعلام السابق والمستشار السابق لنزارباييف، أن "لجنة الأمن القومي لكازاخستان تخفي لسنوات معلومات بشأن معسكرات تدريب المسلحين في البلاد"، وهناك شائعات قوية تقول إن عائلة نزارباييف، التي أطيح بها من السلطة خلال الاحتجاجات، تحاول استخدام هذه الجماعات العسكرية لاستعادة نفوذها.وبحسب ما ورد في التقارير، يريد أفراد تلك القلة أن يكونوا قادرين على تعبئة الجماعات شبه العسكرية للتأثير على الانتخابات، وغالباً ما يتم ذلك تحت غطاء "النوادي الرياضية" التي ترعاها الأقلية الحاكمة، حيث يتجمع الشباب ويتدربون ويتلقون إعانات نقدية. (يمكن للمرء أن يجد مخططات مماثلة في بلدي).وفي حين تعمل هذه المجموعات غير الرسمية على تعميق جذورها في كازاخستان لسنوات عديدة، يبدو أن الأزمة الحالية أزالت الستار عنها، إذ عاد العديد من شخصيات الجريمة المنظمة من الخارج إلى كازاخستان "بصورة غير متوقعة"، وتقول وزارة الداخلية الكازاخستانية، إنه "اعتقل ستة أعضاء من جماعة الجريمة المنظمة، بقيادة Diki [متوحش]، أرمان [دزوماجيلدييف]، خلال عملية خاصة نفذتها إدارة شرطة ألماتي". "نحن نعلم أن هؤلاء "اللصوص بموجب القانون" (وهي ظاهرة نموذجية في سياسة ما بعد الاتحاد السوفياتي) يتمتعون بسلطة حقيقية، خاصة بين الشباب العاطلين عن العمل. والسؤال المطروح هو: مصلحة من يخدُمون؟وإذا كانت أعمال الشغب وأشكال الاحتجاج الأعنف تغذيها مجموعات الظل هذه، فليست هناك أسس قانونية تدعو لإدخال قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى كازاخستان، إذ سرعان ما تصاعدت الاحتجاجات على القضايا الاجتماعية والاقتصادية إلى معركة فوضوية بين القلة من أجل النفوذ السياسي، ولأن المظاهرات كانت مدفوعة من قبل مواطنين عاديين، لا من قبل المعارضة المنظمة، يمكن للسلطات أن ترفض المشاركين فيها بسهولة معتبرة إياهم قطاع طرق انتهازيين ومشاغبين ولصوص، بدلاً من السعي إلى تسوية من خلال الحوار.لكنني أعتقد أن كازاخستان ستصبح قريبا دولة لا يوجد فيها مجال للفساد، والاستبداد، والمحسوبية، فلن يسمح الشعب الكازاخستاني بذلك بعد الآن.* رئيس وزراء قيرغيزستان الأسبق.
● جومارت أوتورباييف - بروجيكت سنديكيت
القضية الحقيقية تتعلق بكفاءة حكومة كازاخستان وشرعيتها فلماذا لا تدير السلطات الاحتجاجات بمفردها رغم وجود قوات شرطة وأمن تدربت جيداً وجيش مجهز بالكامل؟