أكتب عن طالب الرفاعي، ليس كصديق، فهذه لها حسبة أخرى، فقد امتدت صداقتنا عشرات السنين كانت غنية بالذكريات الحلوة والمُرة وبعِشرة لم تنتهك حدائقها العواصف، ولم تُوقف الصخور الصلبة سير أنهارها، كان ولا يزال صديقاً أميناً أعتز بصداقته. أكتب عن طالب الرفاعي كأديب ورجل ثقافة بارز، أكتب عن طموحه لتحقيق أحلام كانت تراوده منذ بدأ خطواته نحو عتبات الأدب الصعبة، كان في كل خطوة يحقق حلماً يشرِّف بلده الكويت، ويضيف لثقافتها الماضية والحاضرة.
عمل في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في القسم الهندسي، لكنه استمر في العمل الثقافي، وتقلد منصب مستشار ثقافي منذ 2014 حتى 2021. والحق يُقال، إنه بذل جهداً كبيراً في المواسم الثقافية المتتالية، وأنشأ مجلة الفنون، ثم أصبح مستشاراً ثقافياً لوزارة الإعلام.****كانت القصة القصيرة أولى أحلامه، فأصدر حتى اليوم تسع مجموعات قصصية، ثم أخذه حلمه الثاني إلى الرواية، فاقتحم عالمها، وصدر له حتى اليوم ثماني روايات، وجد بعضها وبعض القصص طريقه إلى العالم، فترجمت إلى اللغة الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية والصينية والتركية. وقدمت الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه في أعماله الروائية عربياً وأجنبياً. ولم تقتصر كتاباته على فن القصة والرواية، فقد كتب عدة دراسات منها: 1 (عبدالعزيز حسين رجل فكر ودولة)، 2 كتاب (لون الغد وهي رؤية المثقف العربي لما بعد كورونا)، 3 (مبادئ الكتابة الإبداعية للقصة القصيرة والرواية)، 4 (إسماعيل فهد إسماعيل كتابة الحياة وحياة الكتابة)، 5 (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب)، 6 (البصير والتنوير). وفي المسرح أصدر كتاب «المسرح في الكويت رؤية تاريخية» ومسرحية «عرس النار». أما في الأبحاث، فله قرابة أربعين بحثاً أدبياً وثقافياً منشوراً في مختلف الدوريات المحكمة والمؤتمرات العربية والأجنبية.لا يقتصر نشاط طالب في داخل الكويت فقط، فقد أصبحت له مكانة كبيرة في الوطن العربي وفي العالم الذي صار يدعوه لإلقاء المحاضرات في مادة الكتابة الإبداعية.كما ترأس لجنة تحكيم جائزة البوكر العربية. وله في الصحافة عمود أسبوعي بجريدة الجريدة. وقد اختير عام 2021 شخصية العام الثقافية في الشارقة (دولة الإمارات العربية المتحدة). **** طالب الرفاعي يعتلي جواد الثقافة دون أن يجنح به، فهو واثق من خطواته، وحريص على أن يقطع المسافات دون تردد، ولم تقلل من همته بعض العداوات، التي لابد أن يتعرض لها كل الناجحين، وربما تكون الغيرة أول مصادرها. أراد طالب أن يتحدى كل الظروف التي واجهها، ويثبت أنه قادر على أن يحقق لنفسه وبلده مكانة ثقافية جادة، فكانت أولى خطواته إنشاء الملتقى الثقافي في بيته، الذي استقبل فيه كبار الأدباء والشعراء والفنانين والصحافيين، ليشاركوا بجهودهم في هذا الملتقى. ولم يقتصر على أهل الدار وحدهم، بل استقطب الكثير من أدباء العرب، سواء بدعواته الشخصية لهم، أو باستضافة مَنْ يزور الكويت للمشاركة في مهرجانات أو ندوات ثقافية. ولا ينكر طالب فضل بعض الأصدقاء عليه ممن آزروا مسيرته وشجعوه على المُضي بها. وكان يُصدر آخر كل عام كتيباً صغيراً يحفظ كل النشاطات التي قام بها الملتقى. ولم يكن سهلاً على فرد واحد أن ينجز هذا العمل دون مساعدة مالية من أحد.****بعد الملتقى الثقافي أسس جائزة القصة العربية القصيرة، بالتعاون مع الجامعة الأميركية في الكويت، وكنا بحاجة لإحياء هذا الفن، الذي تسلطت عليه الرواية، بسبب كثرة الجوائز الممنوحة لها، وقد نجح في ذلك، فما إن أعلن عن هذه الجائزة، حتى تشجعت أقلام الكُتاب والكاتبات للكتابة، وكأنهم بانتظار أن تفتح لهم الأبواب. وفي دورتها الثانية كانت برعاية جامعة الشرق الأوسط في الكويت، ورعاها الشيخ ناصر صباح الأحمد بحضوره الشخصي. واستمرت الجائزة حتى دورتها الرابعة، وهي تلقى اهتمام الأوساط الثقافية العربية وجميع كُتاب وكاتبات الوطن العربي. وفي كل سنة يبلغ عددها 250 قصة قصيرة.****طالب الرفاعي لا يتوقف في محطة ثقافية واحدة. فهو الآن يعد مفاجأة جديدة ليقيم احتفالية يستحقها رائد الثقافة الكويتية المرحوم عبدالعزيز حسين، الراحل الكبير الذي كرَّس عمره وجهده وفكره المستنير لثقافة وطنه الكويت. وسيقوم عدة كُتاب ممن عاصروه في المشاركة بهذا الاحتفال، منهم مَنْ سيحاضر، ومنهم مَنْ سيكتب شهادات عنه. ونتمنى أن تنجح هذه الاحتفالية بجهود كل مَنْ سيشارك فيها. وسنظل ننتظر مفاجآت طالب الرفاعي القادمة. فقد أصبح اليوم وكأنه مؤسسة فردية ثقافية كويتية عربية تواكب المؤسسات الثقافية المجتهدة، كالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الذي نلحظ جهود القائمين عليه لإبراز لوحة الثقافة المحلية والعربية بكل العطاءات، وكذلك رابطة الأدباء، التي ما زالت تحافظ على مواسمها الثقافية ومشاريعها الأخرى.****لقد نال طالب العديد من الجوائز: جائزة المبدعين لمجلس التعاون لدول الخليج، جائزة الدولة التشجيعية في مجال الأدب عن روايته (في الهنا)، وجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب عن مجمل أعماله القصصية والروائية، وجائزة الدولة التشجيعية في مجال الأدب عن روايته (رائحة البحر).وبعد كل هذا التاريخ الثقافي الحافل لطالب أتساءل: ألا يستحق جائزة الدولة التقديرية التي يمنحها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب للمبدعين الكويتيين؟
توابل - مسك و عنبر
طالب الرفاعي... مؤسسة ثقافية فردية
16-01-2022