ما جدوى حل المجلس؟ العلة باطنية
تتنافس الحكومة ومجلس الأمة في مضمار سباق انعدام الثقة عند الناس، فالمؤسستان بحاجة إلى عمل الكثير لكي تكسبا تلك الثقة، التي هي مدخل القبول الشعبي، الذي سيسهل الكثير من مهماتهما.وفي خضم الصراع الممل بين السلطتين، أو حتى توافقهما، تتردد بين الفينة والأخرى، مطالبات بحل المجلس، وعادة ما تأتي تلك المطالبات في إطار الإحباط المهيمن لدرجة تعوق القدرة على التركيز، فحتى لو حدث أمر إيجابي فستجد جمهوراً غير قليل يشكك في ذلك الأمر، ويضعه في خانة الإحباطات.ومع الذكرى الستين لأول حكومة انتقالية بعد الاستقلال، فإن عدد الحكومات لدينا حتى الساعة هو 39 حكومة، أما المجالس فقد بلغ عددها 16 رسمياً و18 فعلياً، بل لدينا إبداع في قصف عمر المجالس فلم يكمل عمره منها إلا 8 فقط، كما أن لدينا إبداعات في التسميات فمجلس مبكر طرأت عليه علامات التزوير، ولدينا مجلسان في سنة واحدة أطلق عليهما اسم مجلسين مبطلين، ولدينا مجلسان زادت مدة حلهما على أربع سنوات، نتج في الأولى أزمة المناخ، وفي الثانية تم فرض الرقابة، وتطبيق قانون أمن الدولة، وبالطبع الكارثة الكبرى الغزو العراقي.
ومنذ عودة الانتخابات في أكتوبر 1992 ، تم حل المجلس 10 مرات، اثنتان منهما بالإبطال، والأخرى بطرق مختلفة. ومن الملاحظ أن شهوة التسلط كانت دائماً لا يكفيها الحل فقط، بل تضاف إليها بهارات تسلطية أخرى، كفرض قوانين مبالغة في الشدة، أو تغيير الدوائر الانتخابية. مع أن حل المجلس دستورياً، لا يعدو كونه دعوة لانتخابات مبكرة، كما نعرفه في علم الانتخابات.يتضح إذاً أن الحكومة قد أخذت فرصتها الكافية للانفراد بالسلطة، فما نتج عن انفرادها إلا الخراب، وبالتالي انفرادها غير مفيد بل مضر جداً، وحالة الإحباط السائدة، لن تأتي بنواب على المشتهى. هيمنة الحكومة مطلقة، فهي تملك وتهيمن على كل شيء، من أمن وخدمات، ودخل قومي، وأرض، وسيادة ومشروعية، في حين لا يملك النائب في مقابل ذلك إلا الدعم الشعبي، وهو أمر في الحالة النيابية الحالية، والفعل الحكومي، صعب المنال.وفي ظل اختلال موازين القوى الحاد لمصلحة الحكومة، لن يحدث تقدم في مسارات المجتمع، دون توافق بين كل الأطراف، أخذاً في الاعتبار أن المجتمع بمقوماته لديه كل الإمكانيات ومؤهل للخروج من المأزق التاريخي المكرر والممل والمدمر.