من وراء وقف ترقية نجيب محفوظ؟
![د.نجم عبدالكريم](https://www.aljarida.com/uploads/authors/23_1682354851.jpg)
• وانصرفت من العمل في ذلك اليوم، فذهبت مباشرة لأزف البشرى لوالدتي، ثم اتجهتُ إلى قهوة عرابي، حيث احتفى بي الأصدقاء مُهنئين، بعد أن اطلعوا على القرار بإمضاء الوزير... وانطلقت في الحي زغاريد من الجيران الذين شاع بينهم الخبر، وأمضيت وقتاً سعيداً سادت فيه أجواء من البهجة، والتهاني... وبهذه الروحية المُبهجة، اتجهت في اليوم التالي إلى مقر عملي:• فإذا بي أواجهُ موقفاً هو الأشد إحراجاً لي في كل تجاربي الحياتية - حيث حدث ما لم يكن في الحسبان - فلما دخلت على زملائي الذين كانوا بالأمس في غاية السعادة لترقيتي... وإذا بهم اليوم في حالةٍ من الكآبة والوجوم، قد كنتُ على علاقةٍ طيبة بالصديق عبدالسلام فهمي، رئيس السكرتارية - وهو زوج الفنانة ماري منيب - وكان قد بدأ حياته ممثلاً في فرقة عبدالرحمن رشدي، وبيني وبينه قواسم مشتركة لميلنا معاً للفن، فكان واجماً، وحزيناً، وانتحى بي جانباً وقال لي:- هناك شيء سيئ حدث يا نجيب.- خير اللهُم اجعله خير؟- ترقيتك للدرجة الرابعة- ما بها؟- أُلغيت. - كيف أُلغيت، وقد وقعها الوزير؟- سوف أشرح لك.• أخذ صديقي عبدالسلام يشرح لي:أن عمر باشا - وكيل الوزارة - قال للوزير إن إبراهيم باشا عبدالهادي - مدير الديوان الملكي - أمر بحصول شخص مُعين على الدرجة الرابعة، وبالتالي فلابد من إلغاء قرار الأمس، وأن نُعد كشفاً جديداً ليس فيه اسم نجيب محفوظ... ولما سألت صديقي عبدالسلام فهمي عن الأسباب؟قال: السبب وراء هذا التغيير الدراماتيكي - يا نجيب - هو أن إبراهيم باشا عبدالهادي على علاقةٍ شاذة بالذي ينافسك الدرجة الرابعة:***• يختم نجيب محفوظ هذا الفصل من تجربته بالقول:كان سبب ذلك الظرف القهري، أن الشواذ جنسياً يعيشون في نعيمٍ حقيقي، وكانوا يجدون دائماً من يساندهم... فإذا كان شذوذهم أوصلهم إلى الدرجة الرابعة، فإنه لن ينفعهم أكثر من ذلك، حيث سيظلون دائماً درجة رابعة!