دور «حماية المنافسة» في طلب التركز الاقتصادي
المنافسة المشروعة وحمايتها هدف تسعى إليه معظم الأنظمة، فالمنافسة في حد ذاتها ضرورة لا غنى عنها في مختلف الميادين، ومن أجل ذلك أخذ المشرّع على عاتقه مراجعة التشريعات القائمة والبحث عن أفكار وقواعد تشريعية تغطي تلك المساحة المُعقدة، فكان القانون رقم (72) لسنة (2020) في شأن حماية المنافسة، الذي أفرز جهة جديدة لديها من الصلاحيات والسلطات ما يكفي لتتولى الإشراف والرقابة وحظر الممارسات المخلة بالمنافسة، فضلاً عن تحديد الإجراءات اللازمة للصفقات التجارية مثل الاندماج والاستحواذ، ووضع ضوابط بشأنها.ووجود القانون المذكور سلفاً أمر جوهريّ وسط المنافسة السوقية الحادة، كما تتجلى أهميته فيما يشعر به المستثمرون الجدد من ضمان المنافسة العادلة والشفافية من جميع مقدمي المنتجات والخدمات.وجاء القانون صريحاً في تحديد الأشخاص الخاضعين لأحكامه، إذ شمل جميع الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين الذين يمارسون نشاطاً اقتصادياً أو تجارياً بغض النظر عن الشكل القانوني لهؤلاء الأشخاص، بما في ذلك التجار والشركات والمؤسسات وأي تجمعات اقتصادية مُسيطر عليها بشكل مباشر أو غير مباشر.
واعتبر القانون أن هناك العديد من التصرفات التي تعتبر ضارة بالمنافسة، مثل تحديد الأسعار سواء بالرفع، أو الخفض، أو التثبيت، أو تقسيم السوق، أو تثبيت كميات الإنتاج، أو التواطؤ في تقديم العطاءات أو العروض لبيع أو شراء أو توريد المنتجات، كذلك أي اتفاق على تقييد التطور التقني.ويهدف القانون عموماً إلى فرض الرقابة على عمليات التركز الاقتصادي والتي عرفها بأنها: حالة من حالات التغيير على نحو دائم في السيطرة في السوق المعنية، وتنشأ في حالة الاندماج أو الاستحواذ، وكذلك في حال تأسيس شراكة بين شخصين أو أكثر يقدمان نشاطاً اقتصادياً مستقلاً عنهما على نحو دائم.وبالتالي وفي ضوء التعريف سالف الذكر، تعتبر عمليات الاستحواذ أو الاندماج بكل صوره (ضم – مزج – دمج) أو السيطرة، أو زيادة السيطرة المباشرة، أو غير المباشرة أو الشراكة التي تؤدي إلى نشاط تجاري جميعها، تشكل تركزاً اقتصادياً.واستبعد القانون بعض معاملات البنوك والمؤسسات المالية من التصنيف كعملية تركز اقتصادي مثل معاملات الأوراق المالية، وفقاً للشروط المحددة ضمن مواده، كذلك لا يعد أيضاً من صور التركز الاقتصادي السيطرة الناتجة عن الإعسار، أو قيام الأشخاص الذين يشكلون مجموعة اقتصادية واحدة بإجراءات إعادة الهيكلة لذات المجموعة.ووسط عمومية نصوص القانون التي جعلت كلة التصرفات سالفة البيان تمثل تركزاً اقتصادياً، جاءت المادة الثانية عشرة منه لتعالج هذا الأمر، وتمنح مجلس إدارة جهاز حماية المنافسة السلطة في تحديد الحالات التي يلتزم فيها أطراف الصفقة بتقديم طلب موافقة على إتمام عملية التركز الاقتصادي، وقد أصدر المجلس قراره رقم (26) لسنة (2021) الذي وضع ضوابط الحدود الإجمالية والفردية، بحيث يكون الالتزام بتقديم طلب الموافقة على عملية التركز الاقتصادي غير لازم إلا في حال تحقق أي من الحالات الآتية:1- في حال حقق أطراف التركز مبيعات سنوية داخل دولة الكويت تزيد على -/500.000 د.ك (خمسمئة ألف دينار كويتي) طبقاً للبيانات المالية المدققة لآخر سنة مالية قبل التركز. 2- في حال حقق أطراف التركز مبيعات سنوية مجمعة بقيمة تزيد عن -/750.000 د.ك (سبعمئة وخمسون ألف دينار) طبقاً للبيانات المالية المدققة لآخر سنة مالية قبل التركز.3- في حال تجاوز قيمة الأصول المسجلة لأطراف التركز في الكويت قيمة -/2.500.000 د.ك (مليونان وخمسمئة ألف دينار) طبقاً للبيانات المالية المدققة لآخر سنة مالية قبل التركز.بالتالي أصبحت أي عملية تجارية أو اقتصادي تتحقق فيها أي من الحالات السابقة يلتزم أطرافها بتقديم طلب الموافقة على التركز الاقتصادي، ويكون تقديم الطلب قبل (60) يوماً على الأقل من تاريخ إعداد مشروع عقد أو اتفاق عملية التركز.وفي حال عدم الالتزام بتقديم طلب الموافقة على عملية التركز الاقتصادي يجوز لمجلس تأديب الجهاز توقيع العقوبات المقررة بموجب أحكام القانون.كما أجاز القانون توقيع ذات العقوبات على (المسؤول عن الإدارة الفعلية) للشخص الاعتباري المخالف في حال ثبوت علمه بها أو كان إخلاله بواجباته هو ما أدى إلى وقوع المخالفة.وحسناً فعل المشرّع حينما حدد الشخص الخاضع للعقوبة بالمسؤول الفعلي وليس الممثل القانوني للشخص الاعتباري، لاسيما أنه في كثير من الأحوال لا يكون الممثل القانوني قادراً على المتابعة بشكل كامل ويوكل كافة اختصاصاته أو معظمها للمسؤول الفعلي.ومن الأمور المستحدثة في القانون أن لجهاز حماية المنافسة التقدم بعرض تسوية للمخالف بموجبه يعرض عليه تسوية المخالفة مقابل أداء مبلغ لا يقل عن الحد الأدنى للغرامة، كما يجوز التصالح في المخالفة بناء على طلب يقدم من المخالف.وجدير بالذكر أنه في حال رغب أطراف التركز في التأكد من مدى خضوعهم للالتزام بالتقدم بطلب الموافقة على عملية التركز الاقتصادي أن يتقدموا بطلب تشاور للاجتماع مع موظفي الجهاز واستيضاح كافة الأمور، وذلك بمقابل رسم قدره 250 د.ك.وطلب التشاور من الأمور التي اخترنا أن نختم بها مقالنا لأهميته، وخصوصاً أنه سبق لي التعامل مع موظفي الجهاز، وأؤكد أنهم من الشباب الكويتيين المميزين، وأنهم متعاونون بشكل كبير ولا يترددون في الرد على أي استفسار بشأن أحكام القانون المذكور.