بقايا خيال: حمزة عباس... المحافظ على دينار الكويت (1)
على الرغم من الإنجازات الاقتصادية لأول محافظ لبنك الكويت المركزي، العم حمزة عباس، والتي حفرت في صخور النظام المالي الكويتي، واستفادت منه غالبية دول الخليج، في وقت لم نكن نملك وسائل اتصال تكنولوجية متطورة، فإن هذا الرجل لم يحظ بتكريم يليق بمكانته الاقتصادية أو إنجازاته التي نستشعرها في تعاملاتنا المالية حتى يومنا هذا، وسنظل نشعر بالفخر والاعتزاز بمصرفي استفاد من خبراته مصرفيون لهم باع طويل في العمل المصرفي أو المالي أو الاستثماري، وعرفوا حبه للعمل المصرفي النابع من عشقه لوطنه، ومن هؤلاء الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح، وبدر المخيزيم، وجاسم السعدون، وصالح اليوسف، ويوسف الحسيني، وعبدالرحمن الحمود، والراحل عبدالله الدخيل، وغيرهم من شخصيات لها باع طويل ومؤثر في عالم المال والأعمال محلياً وإقليمياً وعالمياً. فللعم حمزة عباس ولتفانيه الصادق في الخدمة العامة كل الفضل، بعد الله سبحانه وتعالى، في المحافظة على استقرار سعر صرف الدينار للحد من التضخم، وفي تمكين القطاع المصرفي من المحافظة على تصنيفاته، حتى أن كل التصنيفات الائتمانية والسيادية كلها كانت تسير من حسن إلى أحسن طوال وجوده في منصب محافظ بنك الكويت المركزي، حتى أنه لم يدر في خلد أي محلل أو مراقب للأوضاع الاقتصادية أنه من الممكن أن تتراجع التصنيفات الائتمانية لدولة الكويت أو لقطاعها المصرفي لأي سبب من الأسباب، كما أن لهذه القامة الاقتصادية الفضل في مراجعة مستوى أسعار الفائدة للمحافظة على تنافسية العملة الوطنية، وفي ترسيخ مبدأ الحوارات الرقابية عبر التواصل المستمر مع البنوك والشركات الخاضعة لرقابة بنك الكويت المركزي، ووضع عملاء البنوك في بؤرة اهتمامات البنك المركزي الرقابية، وإدارة برنامج ناجح لسندات سد عجز ميزانية الدولة، وطرح الإصدار السادس لأوراق النقد الكويتية، والاهتمام بالكوادر الوطنية من خلال التدريب المكثف داخل الكويت وخارجها، حتى صارت هذه الإنجازات من صميم المهام اليومية للعاملين في "المركزي"، وعبر تعليمات البنك المركزي الموجهة لوحدات الجهاز المصرفي في الكويت، حتى أنه وطوال بقائه في منصبه لم تعرف الكويت اختلالات هيكلية كتلك التي نعرفها اليوم، ولم نسمع عن خفض لأي تصنيف ائتماني يخص الكويت كما نسمع عنه اليوم.
إن أي إنجاز يسير عليه العاملون في القطاع المصرفي بأكمله اليوم هو في حقيقة الأمر القواعد نفسها التي شرعها مؤسسو بنك الكويت المركزي، والأسس نفسها التي رسخها محافظها الأول، والآليات الفنية نفسها التي وضعت ونفذت في السنوات العشر الأولى من تأسيس هذا البنك، ومن هذه القواعد والأسس والآليات الفنية وبصفة عامة قواعد إصدار العملة الوطنية، ونظام أسعار الفائدة وتحديد سعر الصرف اليومي للدينار، والرقابة المصرفية والتفتيش على البنوك، والسندات لتنظيم السيولة في الجهاز المصرفي وتمويل العجز الحكومي، ونسبة الاحتياطي الإجباري، والتحوط والرقابة المالية للبنك المركزي داخليا، مما أدى إلى اختفاء شبه تام لملاحظات ديوان المحاسبة، وإصدار التقارير الاقتصادية النقدية والمالية الدورية، وتأسيس معهد الدراسات المصرفية، وقد أصبحت جميع هذه الأعمال المشار إليها روتينية يقوم بها موظفون مدربون يؤدونها بصفة تلقائية ضمن آلياتها المعتادة، دون تدخل من المحافظ أو نائبه.