في تناولي لقضية تكويت الوظائف كقضية دستورية ووطنية، والتزام الدولة الدستوري بتوفير العمل لكل مواطن، وأن تعيين غير الكويتيين هو استثناء لضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وفي سياق بحثي عن هذا الاصطلاح الذي ظهر فجأة بعد التحرير مباشرة لملء الفراغ الذي أحدثه غياب كثير من العمالة الوافدة عن البلاد أثناء غزو صدام لهذه الأرض الطيبة، وبسبب الآثار النفسية التي تركها هذا الغزو في نفوس الموطنين من الجار العربي، الذي زرع الخوف فينا عندما برأت- في هذا المقال- الشعب العراقي من جريمة الغزو البشعة، وأدنت صدام الذي كان يحكم هذا الشعب المغلوب على أمره بالحديد والنار.ولكن سعود لأنه يعيش في برج عاجي تتبوأ فيه الكويت مكانتها في قلعة عصماء لحرية الرأي وحق التعبير عنه يرى في تعقيبه على مقالي سالف الذكر، إدانة الشعب العراقي، لأن صحافته الصفراء ومجلسه الوطني المعبر عن إرادته- كما قال- هلّلا وفرحا بهذا الغزو.
ولعل تقييم هذا التعقيب، لا يشق على أي قارئ، أياً كان مبلغه من العلم والمعرفة- ولو كان بسيطاً- بأوضاع الديموقراطية وأزمتها في وطننا العربي بوجه عام، وفي حكم صدام حسين بوجه خاص، إلا أن ولع سعود باللدد في تعقب مقالاتي، وقد تخصص في هذا الأمر وحده دون غيره مما يكتبه الآخرون، لتحريف الكلم عن مواضعه، إطالة فيما لا طائل منه، دون فحوى أو مضمون، سوى صب الزيت على نار الكراهية ضد الآخر بوجه عام، وضدي بوجه خاص، جعله يتردى في هذا الخطأ الجسيم، الأمر الذي يفرض عليّ أن أوجه إليه سؤالاً مشروعاً هو: أين كنت يا سعود؟من مقال نشر على قنوات التنافر الاجتماعي لكاتبة من البحرين، برأت صدام من جريمته البشعة، ومجدت فيه واعتبرته من الشهداء في مقالها تحت عنوان "ما كان سيموت إلا شهيداً" لم أرَ لك رأياً أو أسمع لك صوتاً في الرد على هذا المقال.وكان ردي عليه في مقالي المنشور على هذه الصفحة تحت عنوان "يوزعون صكوك الشهادة..." بتاريخ 14/ 8/ 2011، أنقله لك بالحرف الواحد، ومع الاجتزاء، ضناً بوقتك ووقت القارئ، في حقائق، هي بديهيات، كان يجب أن تنتبه لها:"كيف أصبح صدام حسين شهيداً؟ والشهداء مثواهم الجنة، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "من قتل معاهداً لم ير رائحة الجنة"، كما قال لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق".ويعتبر قتل النفس بغير حق من السبع الموبقات التي حدثنا عنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكيف يمنح صدام حسين صك الشهادة، ليكون مثواه الجنة، وأيديه ملطخة بدماء سالت غزيرة وغالية على أرض الكويت، عندما شن عدوانه الغادر عليها؟غزو الكويتإن العدوان على الكويت في الثاني من أغسطس سنة 1990، هي الجريمة التي لا تزال بكل بشاعتها وتوابعها وتداعياتها تدوي في سمع العالم وتنطق بكل خرق للقوانين الدولية، ولاتفاقيات حقوق الإنسان وإهدار للقيم الإسلامية والعربية ولكل مواثيق الشرف والإخاء.ألم يروع صدام بهذه الجريمة أمن شعب بأكمله وانتهك بها حرمة وطن بأسره ليزيل بمنطق القوة دولة ذات سيادة؟ ألم يروع بغزوه الفاجر أمن رعايا أكثر من ثلاثين دولة كانوا يعيشون على أرض دولة الكويت في أمن وسلام، احتجزهم صدام كأسرى حرب أو رهائن ليروع أمن الشعوب التي ينتمون إليها كوسيلة ضغط على حكوماتهم لتأييد غزوه الفاجر، وليجعلهم دروعاً بشرية لهذا الغزو؟ صدام وشق الصف العربيألم يشق صدام حسين الصف العربي، وزرع الخوف فينا، الخوف من بعضنا البعض، أكثر مما نخشى أعداءنا، ونخشى على الأمن العربي من التهديد العربي، ومن الغدر العربي، حين غدر بالجار الشقيق، عندما اجتاحت جيوشه أرض الكويت، ليمارس جرائمه من قتل وسفك دماء وتعذيب، بأبناء شعب الكويت والمقيمين فيها، ورفض الانصياع للزعماء والرؤساء والملوك العرب، حتى أصبح لا مفر من التدخل الأجنبي؟ ألم يكن صدام حسين مسؤولاً عن ضعفنا وهواننا على أنفسنا حتى أصبحنا لا نثق في بعضنا البعض؟جرائمه في حق شعبه ولم تكن جريمة صدام حسين في حق الكويت هي أول وآخر جرائمه، فلقد أنهك شعبه بالمجازر التي ارتكبها في حقه بالسجون التي امتلأت بالمفكرين والمثقفين، من بقي منهم في العراق. لقد فرض صدام حسين حصاراً على شعبه، قبل أن يفرض المجتمع الدولي حصاره على هذا الشعب الذي امتد لسنوات طويلة.جور صدام يفوق جور سدوموأستميح شاعر النيل حافظ إبراهيم الراحل عذراً في أن أنقل عنه بعض أبياته معدلة على مقتضى الحال وهو يقول:وكانت الأمثال تضرب بيننا بجور سدوم وهو من أظلم البشرفلما بدا في الكويت آيات ظلمك إذ بسدوم في جوارك عمروللحديث بقية إن كان في العمر بقية.
مقالات
في ظلال الدستور: وتبقى القلعة العصماء حرية الرأي وحق التعبير عنه
23-01-2022