استجواب الجابر… بين الدوافع والاصطفافات والتداعيات
العازمي ربط مساءلته له بفرضية تولي وزير الدفاع رئاسة الوزراء مستقبلاً
وضع استجواب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ حمد الجابر المقدم من النائب حمدان العازمي أنماطاً جديدة في كيفية التعامل النيابي مع المساءلة البرلمانية ومحتواها، وتقييم مرافعة الطرفين، وصولاً إلى كيفية صنع القرار النهائي في حال قُدم طلب لطرح الثقة في الوزير المستجوَب، وهو ما من شأنه أن يضفي مزيداً من التغير والتحول في أداة الاستجواب مستقبلاً.واجه النائب حمدان موجة رفض واستنكار مبكرة بعد إعلان عزمه استجواب الوزير الجابر لإعادته تنظيم وفتح باب دخول المرأة الكويتية السلك العسكري، ولم يحظَ بتأييد نيابي واسع، فأدرك أن المحور لن يخدم استجوابه مما دفعه إلى إضافة محاور أخرى لها أبعاد سياسية وتشكل حرجاً برلمانياً في الوقت ذاته: طائرات اليوروفايتر، والإحلال والتكويت، وتجاهل الأسئلة البرلمانية، وعدم التعاون مع الجهات الرقابية.ولإعادة التوازن إلى الساحة، سعى العازمي، خلال الأيام الأخيرة التي سبقت موعد الاستجواب، لحشد وتجييش الشارع عبر عقد العديد من اللقاءات والندوات عبر مسارين، الأول ديني باستخدام محور المرأة، والآخر سياسي بطرح قضايا المال العام والجهات الرقابية. لم تكن الملفات وليدة عهد الوزير الجابر، غير أن هذا النمط في تفعيل أداة المساءلة أصبح السائد في السنوات الأخيرة، والأكثر شيوعاً.
إقصاء الوزراء من أبناء الأسرة الحاكمة من المشهد السياسي لم يعد حدثاً فريداً أو مستغرباً، فالسنوات الأخيرة شهدت استجوابات مكثفة للشيوخ، ولم يكن حمد الجابر استثناءً، فقد ربط النائب خلال مرافعته، وفي أكثر من مناسبة، بين استجوابه وفرضية تولي الجابر منصب رئاسة الوزراء مستقبلاً، وهذا التصريح بالقول شكّل تحولاً مهماً في قراءة دوافع الاستجواب، ونمطاً جديداً لتفعيل أداة المساءلة.ركزت مرافعة المستجوِب في معظم الوقت المتاح لها على قضية المرأة والسلك العسكري، وشكّكت في سلوك منتسبي الجيش من الرجال وطعنت بهم، إذ سلّط النائب الضوء كثيراً على حالات التحرش الجنسي، لا في الكويت بل بدول أخرى، ومرت المرافعة مروراً سريعاً على بقية المحاور، فالأصل يكمن في المحور الأول الذي ولد الاستجواب وكان سبباً للمواجهة، أما البقية فمجرد ألغام زرعها النائب في قاعة عبدالله السالم أمام زملائه النواب.نجحت استراتيجية النائب حمدان في جر كتلة الخمسة النيابيةــــ جوهر والمضَفين والملا والسايرــ إلى ملعبه وإحراجها بالمحاور المضافة، فكانت أول من أعلن تأييد طلب طرح الثقة «لعدم رد الوزير على المحاور الأربعة»، لا عن قناعة، بل للمحافظة على صورة المعارضة التي ترتديها أمام الشارع، يضاف إلى ما سبق، نية بعض أعضائها استجواب رئيس الوزراء، وهو ما يجعلها تبحث عن دعم الآخرين، المستجوِب ومن يسانده، فضلاً عن أن تجربتها في الحوار الوطني وفشلها، وتوزير أحد أعضائها، شكلا عوامل استفزاز لهم، أي إنها قيمت الاستجواب بما يحفظ وضعها السياسي لا بناء على ردود الوزير.موقف نواب الحركة الدستورية الإسلامية شكل نمطاً جديداً في التعامل النيابي مع الاستجوابات، فبحسب المعلومات المتوفرة، فإن الصقور بقيادة د. عبدالعزيز الصقعبي تبنوا موقفاً مؤيداً لطرح الثقة، غير أن الحمائم نجحوا في خطف القرار لمصلحة التريث والمساومة، وشكل إخراج الموقف مرحلة جديدة في التعاطي مع الاستجوابات، إذ وضع نواب «حدس» شرطاً مرتبطاً بحل القضية الإسكانية في استجواب وزير الدفاع دون التعليق على المحاور ومرافعة الطرفين! وهذا من شأنه أن يطرح التساؤل: هل ستتعامل الحركة مع بقية الوزراء بذات الآلية في الاستجوابات القادمة؟ وهل من الممكن انتقال العدوى إلى بقية النواب؟ كتلة التسعة، وهي الأشد معارضة في المجلس للحكومة والرئيسين، جاء موقفها من طرح الثقة متناسقاً مع مواقف أغلب أعضائها المعارضة للحكومة، إلا أنها لم تواجه اختباراً حقيقياً، فأي استجواب موجه لأحد أبناء الأسرة لا يعد امتحاناً، فهم الحلقة الأضعف في اللعبة السياسية البرلمانية، وبقراءة استجوابات المجلس السابق، فإن أعضاءها لا يمانعون الوقوف مع وزراء بحسب نوعية الارتباط، إذ سبق لهم أن وقفوا مع وزير المالية الأسبق براك الشيتان، ووزير الإعلام الأسبق محمد الجبري، فهل ستكون معارضتهم دائمة أم انتقائية؟ وهذا السلوك يمثل نوعاً آخر من أنماط الانتقائية في المساءلة البرلمانية.استجوابات اليوم اختلفت عن الأمس، فالبعد السياسي والأثر الإعلامي الشعبوي أصبحا المسيطرين على القرار والموقف، لا تقييم أداء الوزير المستجوَب أو محاور النائب، ومع كل استجواب تُختلق سوابق سواء من جانب الحكومة أو البرلمان، وترسخ قواعد مخالفة للدستور أو اللائحة، وتُشكَّل أنماطٌ سياسية جديدة خارجة عن المألوف، آخرُها المساومة على الموقف من طرح الثقة من خلال التصويت على قانون مرتبط بالقضية الإسكانية لا الحكم على الاستجواب، لتصبح رقبة وزير الدفاع بيد وزيرَي المالية والإسكان لا النواب!
sms
أي جريرة ارتكبها حمد الجابر في صفقة «اليوروفايتر» التي مر على زمنها خمس سنوات وتعاقب عليها أربعة وزراء؟ ولماذا يدفع وحده ثمن تلك التركة المتراكمة التي لا ذنب له فيها؟ أما عن دخول المرأة الجيش، فليست بجديدة ولم يكن حمد الجابر هو من ابتدعها، فالكويتية موجودة منذ زمن في الحرس الوطني، وفي «الداخلية»، بل حتى في الخدمات المساندة بالجيش نفسه، كما أن المرأة موجودة في جيوش كثير من دول العالم، كأميركا وأوروبا وحتى في إيران، بل موجودة في جيش السعودية، وفي الإمارات أضحت تقود طائرات الـ F16... فبمن تريدون أن تقارنونا؟ بأفغانستان؟!سئمنا ولم نعد نطيق تلك المماحكات التي تجرنا عقوداً للخلف بينما غيرنا يحلِّق في السماء... أيها النواب ثوبوا إلى رشدكم، وإلا فاصمتوا وفكونا من شركم.